ذئب القوميين الرمادي وآية الكرسي في شعارات الانتخابات التركية

  • 6/3/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قبل عشرين سنة، كان حزب الشعب الجمهوري لا يهتم للمحافظين، ويعد مجاملتهم نوعا من التنازل عن مبادئ الحزب. الآن يقول مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية التركية، محرم إينجه “لا أبدأ اجتماعا من غير قراءة آية الكرسي، ولا أخرج من بيتي من غير وضوء! هذه معتقداتي. من شاء يحبها، ومن شاء لا يحبها”، في إشارة إلى احتمال احتجاج أنصار الحزب من “الكماليين” على هذا الغزل للطبقات المحافظة المناصرة للأحزاب الإسلامية، ومنها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ عام 2002 من دون انقطاع. التغريدات التركية على تويتر والمطولات على فيسبوك، والصور التهكمية التي ينشرها المتربصون باستمرار حكم رجب طيب أردوغان ورفقائه لتركيا، تعطي صورة غير شاملة عما يجري في تركيا، فالمعارضون، أحزابا ومرشحين، قدموا “برنامجا انتخابيا” مؤلفا من نقطة وحيدة، هي إسقاط أردوغان وإزاحته مع حزبه من رئاسة الجمهورية، حتى لو فاز الحزب في الانتخابات النيابية وشكل حكومة أغلبية، أو حكومة ائتلاف بالمشاركة مع حزب الحركة القومية. هي انتخابات “نكاية” ليس أكثر، ونتائجها محسومة سلفا إلى حد كبير، فحزب العدالة والتنمية حسم منذ عام 2002 حتى الآن 14 انتخابا: نيابيا وبلديا واستفتاء وانتخابات رئاسية في المجلس النيابي، أو من الشعب مباشرة، وهو معزز في انتخابات 24 يونيو 2018 بتحالف أربعة أحزاب في الانتخابات الرئاسية (العدالة والتنمية، الحركة القومية، الاتحاد الكبير، والدعوة الحرة)، وفيما لو لم يحقق نتائج حاسمة في الانتخابات النيابية، فلديه حلف مع حزب الحركة القومية يتيح لهما تشكيل حكومة ائتلافية تجنبه أي تفاوض مع حزب الشعب الجمهوري صاحب “النكاية” المذكورة، أو يجنب تركيا خوض انتخابات إعادة كما حدث في صيف وخريف عام 2015. وإذا كان حزب الشعب الجمهوري يعد بقراءة القرآن في افتتاحه المشاريع مستقبلا إذا فاز في معركة رئاسة الجمهورية، فإن حزب العدالة والتنمية يرفع إشارة الذئب الرمادي لمجاملة أنصار الحركة القومية والقوميين الكماليين للإيحاء لهم بأنه حزب علماني تركي ويميني حتى لو كانت كوادره إسلامية التوجه. وفي جهة مناظرة، نجد حزب “ايي بارتي” (الحزب الصالح) في حالة وسط مع زعيمته ميرال أكشينار، بخليط من المجاملة للمحافظين وللجمهوريين والقوميين اليمينيين، فهي في الأصل من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، قبل أن تذهب إلى حزب الحركة القومية، وأخيرا أسست حزبها “الصالح”. وباختصار، تقول أسطورة الذئب الرمادي إن العرق التركي كاد أن ينقرض، ولم يبق منه غير فتى في العاشرة من عمره قطع الأعداء يديه وقدميه دون أن يقتلوه. أخذته ذئبة رمادية بين الجبال الشاهقة في تركستان وأرضعته ولعقت جراحه حتى شُفي. وعندما شب الفتى تزوج الذئبة وأنجب منها عشرة أبناء كبروا وتزوجوا النساء فتكاثر الأتراك من جديد وأسسوا جيشا ودولة وانتقموا من دولة الأعداء. وحسب الأسطورة، وكما تدل نقوش في تركستان (الصين) وأوزبكستان، حدث هذا في الأعوام (580-578) للميلاد. “حدث” هذا قبل تأسيس الدولة العثمانية في الأناضول في عام 1299 للميلاد بأكثر من 700 سنة. ​​​​المعارضون قدموا نقطة واحدة هي إسقاط أردوغان المعارضون قدموا نقطة واحدة هي إسقاط أردوغان وإذا استثنينا مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وسيرته القصيرة في حكم تركيا (التأسيس 1923، والوفاة 1938)، سنجد أن تركيا الحالية، في اقتصادها ومجتمعها المتعدد ونسختها المعتدلة من الإسلام، صنعتها أحزاب يمين الوسط، ذات الصبغة القومية التركية الميالة إلى التصالح بين الإسلام والعلمانية، من عدنان مندريس الأتاتوركي “المرتد” إلى اعتدال قومي إسلامي، إن صح التعبير، عندما أسس الحزب الديمقراطي الذي افتك حكم تركيا من الكماليين في عام 1950 لأول مرة منذ 1923. حكم مندريس حتى 27 مايو 1960، تاريخ أول انقلاب عسكري للجيش التركي “دفاعا عن العلمانية وضد فكرة تأسيس دولة إسلامية”، وأُعدم هو ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بلاتكان، بينما حُكم على رئيس الجمهورية جلال بايار بالسجن مدى الحياة (توفي عام 1986 في إسطنبول). ما فعله مندريس استجابة لوعوده الانتخابية أن أعاد الآذان إلى اللغة العربية، وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم. كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وشق الطرق وبناء الجسور والمدارس والجامعات. اليميني الوسطي الآخر هو تورغوت أوزال، غير الإسلامي، لكن العلماني المنحدر من عائلة نقشبندية صوفية، ومهندس السدود المتخرج في جامعات أميركية. وعلى الرغم من أن أوزال كان خيار الانقلابيين في عام 1980، فإنه أسس “حزب الوطن الأم”، واستمر في الحكم عشر سنوات حتى 1989، ومن ثم انتخب رئيسا لتركيا حتى وفاته عام 1993. وأوزال هو من أعاد الاعتبار لذكرى عدنان مندريس ورفقائه، ونقل جثامينهم من مقبرة في جزيرة ياصي (ياصي أضا)، إلى مقبرة في إسطنبول، ووصفهم في كلمة تأبينية خلال إعادة الدفن بـ”شهداء الوطن”. وينتمي حزب العدالة والتنمية إلى التصنيف ذاته بين الأحزاب التركية، أي يمين الوسط، وهو مستمر في مغازلة العلمانيين، والأتاتوركيين خاصة، منذ استلامه الحكم، بقناعة، أو بتقية، خوفا من مصير مشابه لعدنان مندريس وحزبه، فالشعار الأكبر الذي يطرحه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، هو عام 1923، عام تأسيس الجمهورية التركية، على الرغم من وصفه من المتعصبين الأتراك، وفي الصحافة الغربية، بالسلطان العثماني، في إشارة إلى دفعه تركيا لاستعادة أمجاد السلطنة، عندما حكم العثمانيون شرق المتوسط والجزيرة العربية، وشرق أوروبا، لأكثر من 400 عام. عودة إلى محاولات محرم إينجه استمالة المتديّنين الأتراك. يبدو أن مرشح حزب الشعب الجمهوري فهم ما فهمه تورغوت أوزال الإسلامي النشأة في بيته، العلماني بتعليمه وخياره السياسي، منْ أنَّ لا تعارض بين الاثنين، وأن الذئب الرمادي الذي أنقذ العرق التركي من الانقراض فتح الباب لاستمرار حكم الدولة الإسلامية حتى فواتح القرن العشرين، بعد انهيار الدولتين العباسية والأندلسية في نهايات القرن الميلادي الخامس عشر، وجولات لدول المماليك والأيوبيين. الذئب الرمادي كان حاضرا دائما في الانتخابات التركية، أما أرنبا المرحلة، عدا عن النكاية السياسية، فهما الليرة التركية واللاجئون السوريون اللذان حضرا بقوة في الخطاب الشعبوي للأحزاب المعارضة وعلى لساني إينجه وأكشينار، في محاولة لاستمالة العنصريين الأتراك ضد العدالة والتنمية وأردوغان. وهؤلاء العنصريون يمكن وضعهم في خانة المترددين، ولا يمكن أن يبلغوا في الحسابات السياسية أكثر من عشرة في المئة بالاستناد إلى انتخابات الإعادة النيابية في نوفمبر 2015، عندما حصد “العدالة والتنمية” نحو 50 بالمئة من الأصوات، قفزا من 41 بالمئة في انتخابات يونيو من العام نفسه. وإذا كانت نسبة يونيو 2015 هي نصيب العدالة والتنمية في انتخابات 24 يونيو الجاري، فسيكون حزب الحركة القومية مكملا وزيادة لنسبة تفوق 50 بالمئة في الانتخابات المتزامنة بفرعيها الرئاسي والنيابي، وبقوة الذئب الرمادي الأسطوري هذه المرة، مع توقعات أن يحصد ذئب الحركة القومية ما بين 15 و17 بالمئة، لوحده. وإذا صحت هذه التوقعات، قد يصبح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، خارج البرلمان التركي، بعد دورة نيابية واحدة قضاها في البرلمان، لأول مرة في تاريخ الحركة الكردية في تركيا.

مشاركة :