قطر تعزز علاقاتها بأوروبا.. والسعودية تصنع أعداء جُدداً

  • 6/4/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

باريس - وكالات: أحدثت الأزمة الخليجية التي اندلعت قبل عام انقلاباً في العلاقات البينية لبعض الدول، وتركت أثراً ملموساً على علاقات أخرى، وبدت دول الحصار التي أرادت عزل دولة قطر في موقف غير متوقّع، بعدما تمكّنت الأخيرة من قلب الطاولة عليها وتأكيد حقيقة أن نظرة الغرب للدول ليست كنظرة العرب. ولأنّ الغرب كان ولا يزال واحداً من أهم أوراق الضّغط التي تلعب بها أطراف عربية في مُواجهة أطراف عربية أخرى، فقد سعى كلّ من طرفي الخلاف إلى ضمان أكبر قدر ممكن من التأييد الغربي لمُواقفه، وقد جاء الموقف الغربيّ في مجمله لمصلحة الدوحة رغم السّخاء غير المحدود الذي تمارسه دول الحصار لتحقيق غايتها في عزل جارتها. هذه الأزمة التي اختلقتها دول الحصار لتقليص نفوذ قطر السياسي أحدثت نتائج عكسية تماماً؛ إذ تمكنت الدوحة خلال الشهور الماضية من تعزيز علاقاتها مع الدول الأوروبية، التي وصلت علاقتها مع الرياض إلى شبه قطيعة على بعض المستويات وفي المقدمة ألمانيا. وبينما تشهد العلاقات السعودية الفرنسية توتراً كبيراً على خلفية قضية احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ وقعت الدوحة وباريس خلال الأزمة خطاب نيات لمكافحة الإرهاب تضمن خريطة طريق بشأن تعزيز العلاقات بين البلدين. ويرى إيمانويل ديبو، رئيس المعهد المستقبلي وأمن أوروبا، أن باريس لا يمكنها التخلّي عن دولة قطر التي تبدو الفائز الأول في حرب الاستنزاف التي تشنّها دول الحصار عليها. وقال ديبو في مقال نشره بعد شهرين من بدء الأزمة، إن دول الحصار أجبرت العالم على الاعتراف بفوز قطر بالرهان من خلال توظيفها للحلفاء الذين أرادت السعودية إبعادهم، خاصة إيران وتركيا. ورغم أن التبادل التجاري بين فرنسا والسعودية أكبر منه مع قطر، فإن الواقع أكّد أن الانحياز إلى الموقف القطري هو الخيار الأفضل للجانب الفرنسي، مع ضرورة الإبقاء على وجودها في السوق السعودي، فضلاً عن أن ميزان التبادل التجاري يرجح كفّة قطر التي تحقق نمواً مقابل عجز متصاعد لميزان التبادل التجاري السعودي، كما يقول ديبو. ويضيف: «أصبحت السعودية فاعلاً اقتصادياً يصعب توقع تحركاته، خاصة مع تلك المؤشرات الاقتصادية التي تنذر بالخطر بسبب تداعيات تصدير النفط بأسعار منخفضة جداً. فضلاً عن تراجع احتياطيها النقدي بعد حرب اليمن، وقرارها بمحاصرة قطر، الذي لا جدوى منه اقتصادياً وسياسياً». في المقابل، تعد فرنسا ثاني أبرز وجهة تجارية لقطر بعد الإمارات العربية المتحدة. ففي نهاية المطاف، ساهمت الإستراتيجية المتبعة من قبل قطر، في الاستفادة من الموقع الاقتصادي على أرض فرنسا. بالعودة إلى الموقف الفرنسي من الأزمة سنجد أن وزير خارجيتها جان إيف لودريان طالب، منتصف يوليو 2017، بضرورة حل الخلاف في أسرع وقت بما يضمن رفع الإجراءات التي تؤثر على حياة المدنيين، في إشارة إلى الحصار المفروض على سكّان قطر. وخلال الشهور اللاحقة تطور الموقف الفرنسي من الأزمة وبدت لغته الرافضة لسلوك السعودية واضحة، حتى ولي العهد كان لديه تخوفات من زيارة باريس هذا العام. أواخر يناير الماضي، اتهمت صحيفة «ليزيكو «الفرنسية، وتحت عنوان «عثرات بالجملة»، ولي العهد السعودي بأن «لديه ميولاً تدعو إلى الاشمئزاز بتعذيب جيرانه، دون أن يقدر بالضرورة التأثيرات الجيوسياسية لأفعاله». ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مصدر دبلوماسي فرنسي قوله إن ماكرون ينظر إلى بن سلمان كشخص منفلت أو ثور هائج، ما يشير إلى حذر باريس في التعاطي مع الأمير الشاب الذي يخوض حرباً في اليمن ويحاصر قطر ويشنّ هجوماً لفظياً على إيران والتيارات الإسلامية بالمنطقة. زيارة بن سلمان لباريس لم تستغرق سوى يومين فقط، كما لم يوقِّع الجانبان عقوداً كبيرة، وقد قال الإليزيه خلال الزيارة، إن الرئيس ماكرون يرغب قبل كل شيء في إقامة «تعاون جديد» مع المملكة النفطية، التي يتوقع أن تدخل مرحلة اجتماعية واقتصادية جديدة مع وصول بن سلمان إلى السلطة. وقال مصدر مقرب من الوفد السعودي، لوكالة الصحافة الفرنسية، في حينه: إن الأمر «يتعلق ببناء شراكة جديدة مع فرنسا وليس الجري وراء العقود فقط». ودفع اعتقال رئيس الحكومة اللبناني، سعد الحريري، أواخر العام الماضي، باريس لاتخاذ موقف أكثر صرامة من الرياض عندما تدخَّل الرئيس إيمانويل ماكرون شخصياً وأطلق سراح الحريري، وهو ما أكّده ماكرون في حديث صحفي أواخر مايو الماضي. هذا التأكيد الفرنسي أحرج المملكة وكشف تغوُّلها على الأعراف والتقاليد والدبلوماسية، فضلاً عما كشفه من ضعف أمام باريس وتوتر في العلاقات. ونقلت «فرانس برس» عن الأستاذ الجامعي السعودي في كلية الحقوق بجامعة «يال» في الولايات المتحدة عبد الله العودة، قوله: «حدث توتر عندما حاول بن سلمان الاعتراض على دور ماكرون في الفصل المتعلق بالحريري، لكنه تراجَع بعد ذلك»، مضيفاً: «ليس من السهل إطلاقاً لمستبدٍّ مثله القبول بذلك». وفي ألمانيا، كان الموقف الرسمي الرافض لحصار قطر واضحاً منذ اليوم الأول، وكانت تصريحات الخارجية الألمانية كلها تصبُّ في خانة ضرورة إنهاء هذا الحصار والجلوس إلى طاولة الحوار. ثم بدأت اللهجة الألمانية في التصاعد، وجاءت أزمة احتجاز الحريري ليتحول الأمر إلى أزمة دبلوماسية بين الرياض وبرلين. ووجَّه غابرييل، آنذاك، انتقاداً شديد اللهجة للسعودية عندما قال: «يجب أن تكون هناك إشارة مشتركة من جانب أوروبا، بأننا لم نعد مستعدين للقبول بصمت لروح المغامرة التي تتسع هناك منذ عدة أشهر»، في إشارة إلى تصرفات ولي العهد السعودي. وقال الصحفي الألماني شتيفان بوخن، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة الأنباء الألمانية: إن الموقف الألماني «متسق مع السياسة الألمانية». وذكّر بتقرير تحليلي لـ»المخابرات الخارجية الألمانية» (BND)، صدر ديسمبر 2015. وحذر التقرير من «الدور المزعزع للاستقرار الذي تمارسه السعودية في العالم العربي». وجاء فيه أن «سياسة الدبلوماسية الحذرة لأعضاء العائلة الحاكمة القدماء تم استبدالها بسياسة تَدَخُّل متسرعة واندفاعية». وأشار التقرير آنذاك -وبشكل نقدي خاص- إلى دور محمد بن سلمان، الذي كان حينها ولياً لولي العهد. وقال التقرير إن تركيز سلطات السياسة الخارجية والاقتصادية بيد بن سلمان «يحمل بين طياته الكثير من المخاطر». في المقابل، كان الموقف الألماني -وما يزال- مناصراً لقطر ورافضاً للحصار، حتى إن برلين وصفت المطالب التي قدَّمتها دول الحصار في أول الأزمة بأنها «مستفزة» وغير قابلة للتنفيذ. وعلى أثر هذا الموقف؛ ألغت المملكة العربية السعودية العديد من العقود التجارية مع ألمانيا، كنوع من العقاب على موقفها، كما تغنَّت الصحف السعودية الرسمية بهذه الإجراءات «العقابية» ضد برلين. وذكرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن ولي العهد السعودي، أصدر أمراً بعدم ترسية أية عقود حكومية على شركات ألمانية بعد الآن، في دلالة على استمرار حالة الغضب من سياسة برلين الخارجية.

مشاركة :