المنامة - جولة واحدة لا تكفي في شوارع البحرين لاكتشاف الأجواء الروحانية لشهر رمضان، الذي يشكل مناسبة سانحة لإحياء عادات أصيلة وتقاليد راسخة تجسد قيم المحبة والتعايش والتجانس بين أفراد المجتمع البحريني. وبحلول شهر رمضان، تتشح واجهات الأسواق بألوان زاهية وترتدي حللا أنيقة تناسب أجواء هذه المناسبة الدينية، وتعرض أفضل المواد الغذائية وألذ المكسرات والحلويات وأشهى التمور المحلية والمستوردة، لعلها تجد موضعا في زحمة الأطباق المعروضة على موائد الأسر البحرينية، والتي تعدها ربات البيوت بكل إتقان حرصا على التقاليد والعادات التي جبلن عليها، وكلهن أمل في توريثها لأبنائهن. كما أن الموائد البحرينية لا تخلو من أصناف مختلفة من الأكلات الشهيرة، مثل “الهريس والثريد والمقليات”، إضافة إلى أطباق الحلوى الأكثر شهرة بين الدول الخليجية. كما أن المقيمين في البحرين لا يتوانون بدورهم في اللحاق بركب هذا الموسم الخيري الكبير، من خلال الحرص بصحبة أبنائهم الصغار وزوجاتهم على إحياء هذه الليالي المباركة، حيث يفضلون الخروج مبكرا للصلوات الجامعة، خاصة التراويح والتهجد، والجلوس إلى حلق الذكر المنتشرة هنا وهناك، وتدارس معاني القرآن الكريم مع الحفظة وشيوخ الفقه والدين. ومن العادات المشهودة في البحرين خلال هذا الشهر أيضا حرص السكان بعد صلاة التراويح على زيارة أهاليهم وعائلاتهم لصلة الأرحام وتبادل الأحاديث الودية وتقوية الروابط الاجتماعية، فيما تكتظ المحلات التجارية بالمتسوقين، لا سيما المتخصصة في بيع الملابس والحلويات و”المكسرات” التي تشهد إقبالا كبيرا خلال هذا الشهر. وفي ليلة نصف رمضان، أو ما يسمى “القرقاعون” ورقصة “الفريسة” الملازمة له، يحتفل البحرينيون بهذا الموعد، تيمنا بعادات ورثوها عن أجدادهم، إذ ينتشر الصبيان والبنات بملابسهم الشعبية الملونة في الشوارع فيطوفون البيوت ويقرعون أبوابها لينشدوا الأناشيد الخاصة بهذه المناسبة ويتلقون من الأهالي “المكسرات” والحلويات التي تمتلئ بها الأكياس المتدلية من رقابهم فيفرحون بها رغم بساطتها. ومن التقاليد العريقة التي لا تزال تقاوم عوادي الزمن بالمملكة قيام “المسحر” بجولة عبر الطرقات وهو يردد أناشيده الرائعة ويضرب على طبل يحمله على كتفيه إيذانا بدخول وقت السحور وإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور قبل الإمساك. ومن أبرز السمات الاجتماعية التي تتميز بها التقاليد البحرينية هي تكثيف اللقاءات الاجتماعية خلال هذا الشهر الكريم أو ما يسمى بـ”المجالس”، حيث يحضر الأهالي لمثل هذه اللقاءات ممن لديه استفسار بشأن القضايا الدينية، مثل قضايا الزواج والطلاق والإرث وما شابهها. ولعل من بين أهم مظاهر الفرحة الدينية الغامرة التي تعم مختلف أحياء البحرين لإحياء ليالي الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، حرص الكثير من الناس على تحري ليلة القدر في أحد أيام الوتر من الثلث الأخير للشهر الفضيل، والأجواء الروحانية التي تسود بينهم ليس فقط في المساجد وساحاتها، وإنما في الطرقات والشوارع وأماكن العمل والتسوق أيضا، والتي يغلب عليها طابع الهدوء والسكينة والطمأنينة. ومع إعلان رؤية هلال شهر شوال يتجمع أهالي الأحياء في مسيرات تسمى “الوداع”، وفيها ينشدون الأناشيد التراثية مودعين الشهر الكريم، داعين الله عز وجل أن يعيده عليهم أعواما عديدة وأزمنة مديدة، وبعدها ينطلق الجميع لتجهيز ثياب العيد والتزين لاستقباله وسط أجواء من الفرحة الغامرة بإتمام الصيام والتهنئة بالعيد السعيد.
مشاركة :