الحكمة والموعظة الحسنة

  • 6/4/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

​ابنتي الشابة شأنها شأن جميع الشباب من جيلها.. تشترط المنطق أولاً في أي نقاش لأي قضية مطروحة.. سألتني سؤالاً حاولت أن أجد له مخرجاً في إجابة منطقية تخلو من العاطفة وتعتمد التجرد فقط.. فعجزت! ​سؤالها كان حول ما إذا كان هنالك قانون يجرّم المفطر في رمضان. بغرامة مالية أو سجن، فهي وكثير من أبناء جيلها يرون أن وجود مثل هذا القانون يتعارض مع الهدف السامي من وراء الصيام.. الذي هو في طاعة الله وتطبيق أوامره… وليس الخوف من عقوبة يقرها قانون وضعي في محتواه وهدفه. ​في عام 2015 انتشرت على مواقع الإنترنت صورة لطفل مصلوب عُلّقت عليه لافتة تقول إنه أفطر عمداً في رمضان، وقد أثارت الصورة حينها جدلاً واسعاً حول مصادر الحكم الشرعي على المفطر في رمضان.. يقال إن ترويج الصورة كان من قبل تنظيم «داعش» الذي أشار الى أن صلب الطفل كان حكم تعزير لإفطارة عمداً في رمضان. ​بعض المشايخ دعوا إلى سن تشريع يعاقب المجاهرين بالفطر في رمضان، مؤكدين أن مثل هذه العقوبات تندرج تحت نوع من أنواع العقوبات الشرعية يسمى التعزير، وهي بالمناسبة عقوبة غير مقدرة في الشريعة.. وإنما يترك أمر إقرارها وتحديدها لولي الأمر أو الحاكم أو المجتمع الذين عليهم تقدير العقوبة هنا. ​كان العباسيون هم من أوائل من شرّع تغليظ العقوبة على المفطر في رمضان، ثم جاء العصر المملوكي، حيث ساد التصوف الذي كان أقل تشدداً في حكمه على المفطر.. إلى أن دخلنا عصر الشرطة الدينية التي وضعت عقوبات يغلب عليها الجانب السياسي الدنيوي أكثر من الديني الأخلاقي والعقائدي، حتى كادت العادات والتقاليد تختلط بما هو في صلب العقيدة والدين. ​ولا تزال حتى الآن دور الافتاء وفقهاء الدين يتجادلون حول أصول معاقبة المفطر في رمضان عمداً.. فها هي دار الإفتاء المصرية تصدر بياناً في عام 2012 تتهم فيه المجاهر بالإفطار بأنه مستهتر وعابث بشعيرة عامة من شعائر المسلمين، مؤكدة أن لولي الأمر الحق في أن يتخذ من الضوابط ما يكفل منع المجاهرين بالإفطار في الأماكن العامة، كما أعلن مجمع البحوث الإسلامية في فتوى له أن المجاهرين بالفطر آثمون.. أما في الكويت، فينص القانون الصادر في عام 1968 على أن المجاهرة بالإفطار تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز مئة دينار وبالحبس مدة لا تتجاوز شهراً. ​ومن بين كل هذه الفتاوى والاجتهادات يبرز السؤال الأهم.. هل يكفي أن يحل القانون محل الوازع الديني لخلق مجتمع ملتزم دينياً بشعائره؟ وهل يصح أن نستبدل مجموعة قوانين وضعية بالعلاقة السامية والمخلصة مع الله؟ ولماذا استبدلنا قانوناً جزائياً وضعياً ودنيوياً بـ«الحكمة والموعظة الحسنة»؟ أسئلة يرفض غالبية علماء الدين الإجابة عليها بحجة الذود عن الدين وحمايته من الجدل على الرغم من كل ما يزخر به الإسلام من دعوة لإعمال العقل والتفكّر في كل ما هو موجود. سعاد فهد المعجل

مشاركة :