لا يكترث صانع الأحذية المصري جمال وجدي بالتطورات الحديثة التي طرأت على مجال صناعة الأحذية في مصر والعالم، إذ يحافظ على أصول مهنته القديمة، ولا يبالي بالمخاطر التي تؤثر على أرباب صناعة الحرف اليدوية بسبب الآلات الحديثة المستخدمة في صناعتها عبر مصانع وشركات كبرى. يجلس جمال مطمئناً إلى جوار عدد من زملائه داخل ورشة صغيرة في شارع الخيامية، لإنتاج أحذية ونعال بمهارة وإتقان. بينما يستخدمون الأدوات نفسها التي كانت بحوزة آبائهم وأجدادهم منذ عقود.يقول جمال الرجل الأربعيني، بنبرة مرتفعة وواثقة: «ما الذي يقلقني من المستقبل، أعمل في مهنة تنتج أنواعاً من الأحذية، ذات جودة عالية تنافس الماركات العالمية، ولا يتوقف الطّلب عليها أبداً».كلام وجدي يعززه تقرير لهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، صدر في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، أشار إلى ارتفاع صادرات قطاع الجلود المصري ومنتجاته لتسجل 9 ملايين دولار، مقابل 8 ملايين دولار خلال الشهر نفسه من العام الماضي.الورشة التي تحتضن حوائطها عدداً ضخماً من الأحذية، كأنّها لوحة فنية كبيرة، لا يوجد بها سوى بكرات خيوط، جلاها جمال بالشمع، ثم راح يلضمها في إبرته المصنعة خصيصاً للجلود، وبدأ يعمل على حذاء جديد عليه رسوم فرعونية، كأنّها منقوشة بيد حفار قدير، أشار وهو يتناول سكيناً حاداً راح يقطع به الخيط بعد لضم الإبرة، «هذه الصور أنا الذي أصممها بنفسي، وأحفرها يدويا على الجلد، ثم أقصها وزملائي قبل أن نشدّها على القوالب، لتأخذ في النهاية شكلها، ونبدأ العمل عليها بالخيط المشمع».على يمين جمال، كانت توجد مجموعة من قوالب النعال، ذات المقاسات المتنوعة التي يستخدمها في شدّ الجلد على النعال، لتتناسب مع الشكل الذي يريده».لا يضيف وجدي في صناعة أحذيته أي خامات غير الجلد الطبيعي، فلا يستخدم البلاستيك مطلقا في أي مرحلة من مراحل التصنيع، ولا أي نوع من أنواع القماش ليكون الحذاء طرياً أسفل الكعب، فهو يرى حسب ما اكتسب من مهارات، أنّ الجلد الطبيعي كفيل بتوفير الراحة للقدمين، ولكي يثبت ذلك أمسك زوجاً من النّعال وراح يكوره، حتى صار في يده مثل قطعة عجين لا تكاد تظهر من بين يديه، كانت هناك على يساره مجموعة من الأحذية، تتشكّل ألوانها، وتتنوع بين الأزرق والأحمر والبيج، قال هذه يرتديها راقصو الفرق الشعبية، تتميز بالخفة والمتانة، لا تعوقهم عن أداء أصعب الحركات، كما أنّ السيدات الأجنبيات يقبلن عليها لأنّها خفيفة ومتينة، وتمنحهن قدرة كبيرة على الحركة بحرية.خصّص وجدي جانبا كبيراً من معروضاته للأحذية التي يرتديها راقصو الباليه، ولفت إلى أنّ الكثير من السّياح، يزورون ورشته من أجل شرائها، «يفضلون منتجاتنا لرخص أسعارها، وجودتها، ولا أغالي إن قلت إنّهم يطيرون فرحا عندما يشاهدون (الصنايعية) وهم يعملون أمامهم، أشعر بأنّهم جاءوا لمشاهدة عرض مسرحي، لا يصدقون أنّ هذه المنتجات مصرية، إلّا وهم يرونها أمامهم وهي تتشكل في يد الصانع، لدينا أيد عاملة ماهرة، تتميّز بالصبر وتتّقن عملها، وقد قمت بتصميمها بالكامل من الجلد الطبيعي».وأضاف: «لا يكاد راقص الباليه يشعر بأحذيتي المصنعة من الجلد الطبيعي في قدميه، بسبب وزنها الخفيف، إذ تتميز عن مثيلاتها التي تصنع من خامات أخرى بديلة، بقدرتها على التحمّل، ويمكن ارتداؤها لسنوات من دون أن تبلى أو تتهالك، وهي ميزة تتصف بها الأحذية المصرية، ما يجعلها تحظى بطلب كبير في كل من البرتغال وإسبانيا وإيطاليا والصين والهند».على عتبات ورشة جمال وجدي، كان ينهمك اثنان من زملائه في صناعة نوع من الأحذية الرجالي، يسمى الببوش، وهي ماركات عالمية يصنعها وجدي بأيد مصرية، ليضع السائح الغربي أمام عدد من الاختيارات العالمية، المنتجة بأيد مصرية، وبجلود طبيعية ذكر أنّها تتنوّع بين الجَمَلي والماعز. وأكد وجدي أنّه سيورث المهنة لأبنائه كما فعل والده معه، ليقاوموا تقلبات الزمن والمعدات الحديثة.
مشاركة :