مصراتة (ليبيا) - لم يصمد الاتفاق الذي تم الإعلان عن توقيعه الأحد بين مصراتة وتاورغاء طويلا، وبدأت توجه له انتقادات كثيرة بعضها من سكان تاورغاء الذين اعتبر الكثير منهم أنه اتفاق مفروض على المدينة، وأن مصراتة تتعامل بمنطق المنتصر الذي يفرض شروطه على المنهزم ولم تبحث عن حل ينهي الأزمة الإنسانية المستمرة منذ سبع سنوات بشكل نهائي بما يرضي مختلف الأطراف. يأتي هذا فيما وصف متابعون للشأن الليبي الاتفاق بأنه سابقة خطيرة كونه بدا وكأنه اتفاق بين دولتين وليس بين مدينتين، ما قد يمهد الطريق أمام تقسيم البلاد خاصة في ظل غياب حكومة الوفاق الوطني عن الاتفاق واقتصار دورها على دفع الأموال التي يتضمنها كتعويض لشراء موافقة الطرفين وقبولهما بالحل. وشهدت مدينة مصراتة مساء الأحد مراسم توقيع اتفاق مصالحة مع مدينة تاورغاء بعد مصادقة عميد بلدية مصراتة، مصطفى كرواد، ورئيس المجلس المحلي لتاورغاء، عبدالرحمن الشكشاك، على الاتفاق المبرم بين لجنتين من المدينتين مكلفتين بملف الصراع الدائر بينهما والذي أدى إلى نزوح كل سكان تاورغاء عن منازلهم. وقال رئيس رابطة مفقودي ومعتقلي تاورغاء، محمد رضوان “إن أهالي تاورغاء مصدومون من توقيع اتفاق رفضوه مسبقا”. وأضاف “بعد رفض النقاط الواردة في المسودة المقدمة من تاورغاء واعتماد مسودة مصراتة فقط ضمن الاتفاق، وقبل التوقيع بساعات كنت ضمن اجتماع ضم المجلس المحلي ومجلس الحكماء والشورى ومؤسسات مدنية من تاورغاء، واتفق الجميع على رفض التعديلات الأخيرة المطروحة في الاتفاق وعدم التوقيع، لنفاجأ لاحقا بمبادرة فردية من رئيس المجلس المحلي وتوقيعه على اتفاق لا يضمن العودة ويهدف إلى تخفيف الضغط الإعلامي”. وأشار رضوان إلى نقاط عديدة يقول إنها ستمنع عودة النازحين، منها ما وصفه بزعم مصراتة “وجود ألغام ومقابر جماعية تحتاج إلى تنقيب”، وكذلك انتظار 10 ملايين دينار ليبي كانت مخصصة للمنطقة العسكرية الوسطى لتأمين العودة تم تجميدها من قبل المجلس الرئاسي بعد منع مسلحين من مصراتة عودة النازحين التي كانت مقررة في الأول من فبراير الماضي. وأشار أيضا إلى انتظار شركة الأشغال العامة رفع مصراتة التجميد عن 5 ملايين دينار أخرى نظير تهيئة البنية التحتية في تاورغاء، واصفا الأمر بأنه “ابتزاز للدولة يهدف إلى تحقيق مكاسب مادية على حساب قضية النازحين”. وبدأت الأزمة بين المدينتين الجارتين منذ عام 2011، عندما قامت قوات مصراتة بطرد أهالي مدينة تاورغاء من منازلهم، عقابا لهم وانتقاما منهم لوقوفهم في صف معمر القذافي خلال أحداث الثورة الليبية ضد ثوار مصراتة، وضلوعهم في مقتل العديد من أبنائها خلال العمليات العسكرية التي قادتها كتائب القذافي. Thumbnail وكان أهالي تاورغاء حاولوا في شهر فبراير الماضي العودة إلى مدينتهم، لكنّهم فوجئوا بقوات من مصراتة تعترضهم وتمنعهم من الدخول، بسبب رفضهم بعض بنود الاتفاق الذي أشرفت عليه حكومة الوفاق. واستغرب محللون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي غياب حكومة الوفاق الوطني عن الاتفاق ودورها في تسهيل عقد مثل هذه الاتفاقيات التي تسهل في المستقبل نزعات الانفصال والاستغناء عن الدولة الجامعة، معتبرين أن الاتفاق الذي تضمن حديثا عن اتفاقية حسن جوار وتعايش يوحي وكأنهما دولتان متجاورتان وليس مدينتين ليبيتين. وفي طرابلس اكتفى المجلس الرئاسي الذي لم يحضر المراسم بمباركة الاتفاق. وقال رئيس المجلس فائز السراج في بيان صدر عنه الاثنين إن الاتفاق “يتيح العودة الآمنة لأهالي تاورغاء إلى مدينتهم”، آملا بأن تمثل عودة أهل تاورغاء بداية لعودة جميع النازحين والمهجرين داخل ليبيا وخارجها. وحذّر المحللون من أن القبول باتفاق يتم فيه فرض شروط غير متكافئة على اللاجئين سيجعل الفرقاء الليبيين يلجأون في المستقبل لحل خلافاتهم إلى مراكمة عناصر القوة العسكرية وليس الاحتكام إلى القانون، معتبرين أن حكومة الوفاق نفسها التي تقبل اتفاقا غير متكافئ إنما تفعل ذلك مراعاة لعناصر القوة التي تمتلكها مصراتة وبينها الدعم الذي تقدمه للحكومة والذي بفضله تستمر في طرابلس تحت حماية ميليشيات من مصراتة أو حليفة لها. ويفرض الاتفاق على أهالي تاورغاء التنسيق مع مدينة مصراتة في كافة “المواقف والقرارات ذات المصلحة العامة والمشتركة، وألا يدخلوا في أي تحالفات تضر بمصلحة الوطن وأمن المدينتين، وعدم إيواء المطلوبين للعدالة أو المنتمين إلى أي جماعات أو تنظيمات إرهابية أو متطرفة أو ذات توجهات فكرية مشبوهة أو التستر عليها، والالتزام بالتعاون مع الجهات المتخصصة في البحث عن المفقودين والإرشاد إلى مقابرهم، وتقديم أي معلومات تساعد في التعرف على مصيرهم، والبحث عن المقابر الجماعية والمفقودين داخل منطقة تاورغاء”.
مشاركة :