ماذا لو أنك تعيش في مزرعة صغيرة تأكل من ثمارها بإشباع وتنام على أرضها بِراحة ولا تشتكي من أي نقصٍ أو جوعٍ أو خوفٍ أو فقر؟ هل تعتقد برأيك أنك ستكتفي بهذا القدر من الدنيا؟! لا أظن.. إن حياتنا مبنيّة على المقارنة، مبنيّة على ما عند هذا وما عند ذاك، لو كان هذا يمتلك شُقة فأنا أريدُ أن أمتلك بيتًا، وسأشعر بهضيمة في داخل نفسي، لو ذاك يمتلك بيتًا وأنا أمتلك شقة سأشعر أيضًا بنقصٍ في نفسي متمنيًّا أن أفوقه بقصر، وهكذا وعلى زخارف الدنيا تقوم أسس حياتنا المتنافسة.. في نهار هذا اليوم قد تفرح بسيارة تَملّكتَها وكلك جَذَل ونشوة من السعادة، لكن ما أن يأتي المساء إلا ويتلاشى ذلك الفرح وينحسر بسبب أن صديقك قد اشترى سيارة أفخم منها وأَرْفَه.. أنفسنا فعلاً بحاجة إلى تدريب نحو القناعة، والإحجام عن النظر لما عند الغير، ما أصدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها»، إن مسيرة الحياة سهلة بسيطة لولا أنّنا قمنا بتعقيدها بالمقارنة، وهنا يقول الدكتور علي الوردي في كتابه مهزلة العقل البشري: « وقالوا قديما: «السعيد» هو الذي لا يملك لنفسه قميصاً وهم يقصدون بذلك: إن السعيد هو الذي لا يملك قميصاً ولا يريد أن يكون له قميص، أما ذلك الذي يريد القميص ولا يملكه فهو بؤرة الشقاء بلا شك ومن هنا جاءت مشكلة المدنية الكبرى، فالمدنيــة معـناها التكالب والتزاحم واستغلال الناس بعضهم بعضا فظهر من بين الناس إذن طبقة مترفة تملك عدة قمصان، بينما يبقى كثير من الناس لا قمصان لهم والناس قلقون عند ذاك إذا جاعوا وإذا شبعوا » . بلا شك أن مشكلة المقارنة الحياتيّة تزداد كلما كانت أواصر المجتمع متقاربة أكثر، وفي الوقت ذاته ثريّة مترفه، فالكل ينظر إلى ما في جعبة جاره وقريبه وصديقه، وبمدلول آخر لو أن المتضجر -بسوء حاله القاصر عن حال قرنائه- وتمّ نقله بنفس حالته إلى مكان لا يعرفه أحد ولا يعرف فيه أحد لوجد حياته رغيدة مطمئنة.. لنحذر أن تخادعنا الرّغبات ولنتفحّص حياتنا بتجرد بعيداً عن المقارنة، وعندها سنؤكد لأنفسنا أنّنا من أحسن الناس حالا.. تحياتي
مشاركة :