سجل القطاع العقاري السعودي منذ بداية العام انخفاضاً في إجمالي قيمة الصفقات بنسبة قاربت الـ32.4 في المائة، لتستقر قيمة الصفقات العقارية عند 16.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 24.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المنصرم. ويتضح ذلك الانخفاض من خلال المؤشرات العقارية التي دلت على انخفاض كافة الأنشطة بلا استثناء مع الاختلاف في نسبها، إلا أن هذا الهبوط يأتي امتداداً لما يحدث في السوق خلال السنوات الأربع الأخيرة، التي بدأت خلالها حركة السوق تسير بشكل عكسي لتحقق نزولاً متتالياً في قيمة وعدد الصفقات. وألقت رسوم الأراضي وضريبة القيمة المضافة بظلالها على المشهد العقاري العام من ناحية القيمة والعرض والطلب، مدفوعة بالمستويات المنخفضة أيضاً في الطلب على القطاع التجاري منها، الذي طالما كان بعيداً عن الانخفاضات السوقية حتى بداية العام الماضي، حيث كان محافظاً على مستويات جيدة مقارنة بالسكني الذي تتفاوت حركته اهتزازاً بشكل دوري، كما أن لدخول وزارة الإسكان دوراً كبيراً في الضغط نحو الاتجاه الصحيح عبر فرض التشريعات التقييدية ودخولها كمطور غير ربحي عبر برنامج «سكني» تحديداً الذي ظل منتظماً في دفعاته للعام الثاني على التوالي. وقال عبد العزيز الشمري، المدير العام لشركة «المدلول» للتطوير العقاري، إن قيم الصفقات متناقص بشكل سنوي منذ العام 2014 الذي يعتبر الأقوى على الإطلاق، خصوصاً في العقد الأخير، حيث إن الحديث عن انخفاض قيمة الصفقات لا يعتبر جديداً، بل إنه متزايد من عام لآخر بانتظار انخفاض مناسب للأسعار بعد موجة التضخم، التي ضربت السوق خلال السنوات الأخيرة، وبدأ بشكل تدريجي الانحسار، ويتضح ذلك جلياً في الجدول الدوري لأسعار المناطق والمدن في جميع الأنشطة العقارية، خصوصاً الأراضي التي تأثرت بشكل كبير. وأضاف الشمري: «السوق تشهد نزولاً ملحوظاً في الأسعار تماشياً مع الطلب لمستويات معقولة ومغرية، خصوصاُ أن السوق بدأت فعلياً في دفع فواتير الرسوم، وهو القرار الذي يشهد زخماً كبيراً في السوق والأسعار وقتياً بدليل تسييل كميات كبيرة من الأراضي الفترة الماضية، إلا أن ما يميز العام الأخير أن هناك نزولاً ملحوظاً في القيمة، رغم أنه غير مكافئ للانخفاض في الطلب، مما يوحي بأن هناك انخفاضات مقبلة في القيمة بعد أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي»، لافتاً إلى أن ما يحدث الآن ما هو إلا تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح. وأنهت السوق العقارية المحلية أداءها خلال مايو (أيار) المنصرم على انخفاض سنوي في إجمالي قيمة صفقاتها بلغت نسبته 42.3 في المائة، واستقر إجمالي قيمة الصفقات العقارية بنهاية الشهر عند مستوى أدنى من 11.5 مليار ريال (3 مليارات دولار)، مقارنة بمستواه المسجل خلال الشهر نفسه من العام الماضي عند 5.3 مليار دولار، وكان الانخفاض الأكبر على حساب قيمة صفقات القطاع التجاري، التي سجلت انخفاضاً سنوياً وصلت نسبته إلى 48.4 في المائة، واستقرت بنهاية الشهر عند مستوى أدنى من 773 مليون دولار، مقارنة بنحو 1.5 مليار دولار التي سجلتها بنهاية الشهر ذاته من العام الماضي. فيما سجلت قيمة صفقات القطاع السكني انخفاضاً سنوياً بنسبة 40.0 في المائة، واستقرت بنهاية الشهر عند مستوى أدنى من 2.29 مليار دولار، مقارنة بنحو 3.7 مليار دولار المسجلة بنهاية الشهر نفسه من العام الماضي. وفي صلب الموضوع أشار علي التميمي، الذي يدير عدداً من الاستثمارات العقارية فيما يخص الوحدات السكنية الجاهزة، إلى أن فقد السوق لما يلامس الـ32 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنصرم، معدل كبير يحتاج إلى تدعيم أكبر من ناحية انخفاض ملائم للسعر، رغم سعي الدولة إلى احتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه عبر سن التشريعات التي تدعو إلى ذلك. وقال: «إن الحلقة المفقودة تتمثل في ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات كبيرة، مما يعكس الحال في السوق التي تعيش أياماً عصيبة في ظل شح السيولة لدى المشترين، خصوصاً للقطاع السكني الذي يعيش أياماً عصيبة في ظل عدم وضوح الرؤية، بانتظار ما تفضي إليه الرسوم عبر انخفاض حقيقي في الأسعار، وبالتالي التمكن من الشراء. والمشكلة الحقيقية تكمن في الفجوة بين قدرة المشتري وسعر البائع، وهو ما تحاول الدولة إيجاد توافق فيه بطرق مختلفة». وزاد التميمي: «الحديث عن فتح خيارات تمويل، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، غير مجدي في هذا التوقيت بالذات، في ظل ارتفاع أسعار العقار لأكثر من قيمتها الحقيقية، رغم انخفاضها منذ نهاية العام قبل المنصرم، إلا أنها ليست ملائمة لحال السوق والمعدلات الحقيقية للطلب المرتبط بالشراء». ولفت إلى أن الانخفاض جاء بعد توقف الطلب أو تقلصه إلى حد كبير بضغط من الواقع الذي يعجز المستثمرون على تطويره، والسيطرة عليه، لتحريك السوق وفتح جبهات استثمارية جديدة، تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف، وهو ما لن يحدث في حال استمرار الأسعار مرتفعة. وسجلت أعداد الصفقات العقارية لشهر مايو (أيار) المنصرم تراجعاً بنسبة 23.8 في المائة، لتستقر بنهاية الشهر عند مستوى 17.5 ألف صفقة عقارية، وانخفاض سنوي لأعداد العقارات المبيعة بنسبة 23.4 في المائة، استقرت معه بنهاية الشهر عند أدنى 18.9 ألف عقار مبيع. في المقابل، سجلت مساحات الصفقات العقارية ارتفاعاً سنوياً بنسبة 63.5 في المائة، واستقرت مع نهاية الشهر عند 360 مليون متر مربع. من جهته أشار أحمد الدريس، الذي يدير شركة «مستقبل بناء» العقارية، إلى أن الضغوطات ترمي إلى خفض الأسعار، لتكون في متناول الجميع، وهو ما يحصل الآن، ورغم عدم ملائمة الأسعار إلى حد كبير مع قدرات المشترين، إلا أنه يعتبر أن هناك تفاؤلاً نحو واقع جديد، يفتح فرضية وقوع المزيد من الانخفاضات خلال الفترة المقبلة في ظل تبلور الأسباب المؤدية إلى ذلك. وبيَّن أن الاستجداء بالتمويلات العقارية لن يكون مجدياً، خصوصاً أن جوهر الحركة يكمن في قيمة العقار التي تعتبر مرتفعة، وأكبر من قدرة شريحة كبيرة من الراغبين في التملك، لأن الانخفاض الملحوظ في إطلاق المشاريع التجارية التي باتت محدودة بشكل ملحوظ يعكس حال السوق. وأضاف الدريس أن المستثمرين العقاريين الآن يعيدون النظر في أسعار ما يمتلكونه أو يعرضونه من عقارات بعد انخفاض الطلب لمستويات كبيرة، مبيناً أن المواطنين يتريثون بالشراء في الوقت الحالي لحين البت فيما ستفضي إليه الخطوات الحكومية المقبلة التي باتت تفاجئ المستثمرين، وتسحب البساط من تحت أرجلهم، وأن العمليات الحكومية الأخيرة ستثري بشكل كبير في ميزان العرض الذي يعيش تناقصاً كبيراً بالنسبة للطلب الذي يفوق قدرة الجميع.
مشاركة :