الغرق في أحلام الاستعمار العثماني

  • 6/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عاطف الغمري ما فعلته تركيا في سوريا، يقلب عصراً كان العالم قد احتفل به، وخلدته الأمم المتحدة، بوصفه بعصر نهاية الاستعمار، والذي بدأ بتحرر دول عديدة في إفريقيا، من احتلال أجنبي سطا عليها بالقوة. ونحن نرى الآن قوى دولية عضواً أساسياً بالأمم المتحدة، لم تحرك ساكناً أمام غزو تركيا لمنطقة عفرين السورية، واحتفالات أنقرة بما أسمته بالنصر، وتعهدت بالتوسع في حملتها العسكرية عبر شمالي سوريا وضم مناطق جديدة ليس في سوريا وحدها بل أيضا في العراق. بينما السوريون وقطاع من المعارضة التركية يصف حملة أنقرة بالسلوك الاستعماري البغيض. وهو سلوك يكرر ما سبق أن ارتكبته قوى الاستعمار القديمة من نهب لثروات مستعمراتها، حيث أظهرت تسجيلات بالفيديو، من مواقع الغزو بدايات النهب الاستعماري، بقيام الجنود والضباط الأتراك بالنهب والسلب والسرقة لممتلكات المواطنين في عفرين. وفي دراسة لمعهد دراسات الشرق الأوسط، أن أنقرة تعيد تكرار سياسات التدخل في دول المنطقة المجاورة، كجزء من حلم إعادة قيام الإمبراطورية العثمانية القديمة التي تفككت وضعفت وسقطت عام 1923. وأن التصريحات الأخيرة عن الإصرار على خلق تواجد عسكري تركي في سوريا، تلقي الضوء على دولة استعمارية، تحلم باحتلال سوريا. وكانت قد نشرت في تركيا في عام 2016 خرائط تظهر أن حدود تركيا تشمل الموصل في العراق، بادعاء وجود اتفاق بذلك يعود إلى عام 1920.وضمن الكشف عن حقيقة أطماعها في سوريا وأنها ليست مجرد مواجهة تهديدات لأراضيها، القرار الذي اتخذ بتعيين حاكم لمدينة عفرين السورية، والقول بأنه قد جرى انتخاب برلمان لعفرين، وهو بالطبع صورة مكذوبة لكيان وهمي يتكون من أفراد أتراك. وتظهر تطورات الأحداث في سوريا منذ عام 2011 أن مشروع استعمار جزء من الأراضي السورية، قد بدأ منذ فتحت تركيا حدودها أمام تدفق المنظمات الإرهابية التي تضم مقاتلين من مختلف الجنسيات، لنشر الفوضى داخل سوريا بما يساعد على تفكيكها وتقسيمها، وهو ما جرى بالفعل، إلى أن وجدت تركيا أن الوضع في سوريا أصبح ممهدًا أمامها لغزو عفرين وتقسيمها وضمها إليها، في نطاق أحلامها التوسعية، والتي عبرت عنها بالقول أن حملتها العسكرية على عفرين ستمتد إلى مدينة منبج السورية على الجانب الغربي من نهر الفرات، والتي كانت «قوات حماية الشعب الكردية» قد استعادتها من تنظيم «داعش». وأنها تنوي إقامة منطقة عازلة تمتد إلى مسافة 18 ميلاً داخل أراضي سوريا. كما هددت أنقرة يوم 15 يناير/كانون الثاني 2018، بسحق ثلاثين ألفاً من المقاتلين الأكراد في سوريا، والذين وصفتهم بأنهم إرهابيون، بالرغم من أنهم هم الذين قاتلوا أفراد «داعش» وطردوهم من الرقة السورية، وهؤلاء مواطنون سوريون، وأرضهم التاريخية مدينة عفرين. بعض الدراسات الغربية التي تتابع تصرفات أنقرة في سوريا، ربطت ذلك بما اعتبرته من وجهة نظرها - عقدة اتفاق سايكس بيكو لعام 1916 - الذي أعاد رسم حدود الشرق الأوسط، وأخرج دول المنطقة من تحت سيطرة استعمار الدولة العثمانية التي كانت تحولت وقتها إلى حطام. وهو ما سبق أن تحدث عنه داود أوغلو رئيس الوزراء السابق، معتبراً أن الحدود الحالية لدول المنطقة تمثل سرقة مما كانت تركيا تمتلكه كتراث تاريخي. تشير دراسة معهد الشرق الأوسط إلى أن تأييد أنقرة للتكفيريين -وتقصد بهم الإرهابيين - والقادمين من دول مختلفة، يعكس مواقفهم الأخيرة من احتلال تركيا لجزء من الأراضي السورية، وهم الذين راحوا يرددون نشيداً تقول كلماته: مثلما استولينا على تورا بورا، فنحن حققنا المجد في عفرين. إن النزعة العثمانية التي سبق أن احتلت بعض دول المنطقة لمدة خمسمئة سنة، مستغلة ضعف وتدهور أحوال هذه الدول في ذلك الوقت، تسيطر الآن على أنقرة بصورة واضحة، وكأنها تتصور واهمة، أنها تستطيع في ظروف العصر الحالي المختلف في كل شيء، أن تعيد سنوات الاستعمار العثماني، حيث إنها لا تكف في أية مناسبة عن النطق بكلمة العثمانية في تفاخر مخادع ومضلل.

مشاركة :