بثينة العيسى: المكتبة هي المكان الذي أرتاح فيه

  • 6/6/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

محمد حنفي | ماذا لو قيل لطه حسين إننا لا يعوزنا رفيق ليقرأ علينا كتبه، فنحن نصغي إليها على مواقع اليوتيوب والساوند كلاود ممدين في أسرّتنا، أو مسندين الظهر إلى مقعد وثير؟ ماذا لو توافر على عهده حينما منع كتابه «في الشعر الجاهلي» نسخ من «البي دي إف» يطالعها الجمهور عبر أجهزته النقالة؟ الكتاب لم يختفِ كما كان البعض يتخوف، بل تنامت صوره وتعددت، عادات القراءة، العلاقة الحميمة بملمس الكتاب، الشعور بالرهبة أمام مغلفه السميك على رف في مكتبة. ترى كيف هي خبرة الأجيال المختلفة من الكتاب في علاقتها بـ«خير جليس»؟ ماذا قرأوا أول الأمر؟ ما الذي دفع بهم إلى عالمه الساحر وجذبهم ليكونوا ضمن جوقة صانعيه؟ أمس واليوم.. كيف اختلف عالم النشر والعلاقة بالمكتبة الخاصة؟ تلك وغيرها أسئلة نطرحها على أجيال من الكتاب يعكسون بدورهم صورا من تطور العلاقة بالكتاب وبإنتاجه وتلقيه. منذ صدرت روايتها الأولى «ارتطامٌ.. لم يسمع له دوي» عام 2004، ثم «سعار» في 2005 صنعت بثينة العيسى لنفسها طريقا مميزا في عالم الرواية الكويتية والعربية، وفي الوقت نفسه فقد أضافت للثقافة الكويتية لبنة جديدة من خلال مشروع مكتبة «تكوين» بما تقدمه من إصدارات وأنشطة ثقافية، في هذا الحوار مع القبس تتحدث العيسى عن الخربشات الأولى مع رحلة القراءة والكتب والكتابة، كما تدلي برأيها في بعض القضايا الثقافية الشائكة مثل: الصراع بين الكتاب الورقي والإلكتروني، ودور الجوائز الأدبية في مسيرة المبدع. خربشات المبدع الأولى مع القراءة والكتاب محفورة في الذاكرة فكيف كانت بدايتك مع القراءة؟ وما الكتاب الأول الذي كان بوابة الدخول إلى عالم القراءة؟ – لا أذكر الكتاب الأول، والحقيقة أنني دخلتُ إلى عالم الكتابة قبل أن أقرأ كتابًا واحدًا. لأنني وبمجرد أن عرفتُ آلية تحويل تلك الرموز التي تعلمناها في الصف الأول الابتدائي، المدعوة بالحروف، إلى أصوات.. بدأت من فوري في كتابة مذكراتي. تطوّر الأمر مع بلوغي السنوات التسع، وزامن ذلك تجربة الاحتلال في سنة الـ90. أعتقد بأنها اسهمت بشكلٍ غريب في دفعي إلى الكتابة. أما بخصوص القراءة، فقد بدأتُ من خلال قصص المكتبة الخضراء، وليدي بيرد، ومجلة ماجد، وما أعطته لي أمي من أعداد «لولو الصغيرة». لقد بدأتُ، مثل معظم الناس، من عالم القصص المصورة والمجلات. 6 كتب في حياة كل مبدع كتاب (أو عدة كتب) يعتقد أنه الأكثر تأثيرا في مسيرته الإبداعية، ما هذا الكتاب الأكثر تأثيرا في رحلتك الإبداعية؟ – ستة كتب على نحوٍ محدد: أنثوية العلم لـ د. ليندا شيبرد. ولغز عشتار للباحث في الأديان فراس السواح. هذان الكتابان أعادا صياغة فهمي للأنوثة، ومكان المرأة في هذا العالم، رواية في انتظار البرابرة لـ ج. م. كوتزي. أعتقد بأنني أفهم السياسات الخارجية والداخلية للحكومات على نحوٍ أفضل بسبب هذه الرواية، إضافة إلى 1984 لجورج أورويل، الجريمة والعقاب لدوستويفيسكي، لأنها مدخل يشبه الهاوية، إلى السؤال اللامنتهي عن الخير والشر، وأخيرًا: البطل بألف وجه لـجوزيف كامبل، لأنه كتاب سحري يجعلنا نفهم الأنماط الحكائية في الأساطير والخرافات الشعبية والروايات على نحوٍ يقودنا إلى قراءة ذواتنا. قرأت هذه الكتب في بداياتي، وأعتقد بأن العالم تغيّر كثيرًا بعد قراءتها. في سبيل ما لم أكتب البعض يرى أن الكتاب الأول في حياة المبدع يكون دائما للنسيان وخارج حسابات المبدع، بينما يرى آخرون أن هذا الكتاب الأول هو الذي يحدد هوية المبدع لرحلته مع الإبداع؟ أي القولين ينطبق عليك؟ – القول الأول، لكنه لا ينطبق على كتابي الأول وحده. إنه قول يصح على جميع أعمالي، فأنا ميالة إلى نسيان كل ما كتبت، في سبيل كل ما لم أكتب، وأحب أن أتطلع إلى الكتب التي أرغب بكتابتها عوضًا عن تلك التي أنجزتُها. أي صراع؟ في ظل التطور السريع للعالم الرقمي وانتشار وسائط النشر الرقمية والإلكترونية، هل ثمة صراع يبدو في الأفق بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني؟ ولمن ستكون الغلبة؟ – حتى لو كان هناك صراع مثل هذا، فهو ليس صراعًا حقيقيًا، فالصراع بين نادي العربي ونادي القادسية هو في النهاية في مصلحة كرة القدم. الصراع الحقيقي هو بين الكتاب بغض النظر عن شكله (ورقي أو إلكتروني)، والقرصنة. حالة صحية الحديث عن الجوائز الأدبية حديث صاخب بين من يرى أنها اضافت للإبداع وحركت مياهه الراكدة، وفريق آخر يشكك ويرى فيها نقمة على الإبداع، فكيف ترين الأمر؟ – أعتقدُ بأن الجوائز، رغم كل ما يشوبها، اسهمت في تحريك المشهد الأدبي، وصنعت حالة صحية من الجدل، وهذا يشمل شكوكنا حول مأسسة الذائقة وتوحيدها، ناهيك عن تهم المحاباة والتنفيع والانحيازات والمحاصصة. أقصد.. ثمة قائمة طويلة من الاتهامات التي تُتهم بها الجوائز، لكنني في النهاية بائعة كتب، وأعمل في المكتبة، وأرى ما تفعله (بعض) هذه الجوائز في المشهد. إنها تنعشه، وتبلبله، وتضخ فيه أسئلة وأسماء جديد. وكما قلت، الجوائز في أسوأ الأحوال تصنع حالة جدل، والجدل في ذاته أمر صحي. مفتونة بالكتب المكتبة تلعب دورا كبيرا في حياة المبدع كيف كانت علاقتك بالمكتبة؟ ما أبرز ملامح مكتبتك الخاصة واهم ما تضمه من إصدارات؟ – كنت مفتونة بالمكتبة طوال عُمري. كانت المكان الذي ألعبُ فيه (وقد كنت طفلة وحيدة تلعب مع أشباحها طوال اليوم). كنت أستخدم الكتب في مكتبة والديَّ لألعب دور المشعوذة التي تقرأ خفايا الأقدار وتُلهَم وصفات سحرية لتبطل اللعنات وتعالج الأمراض. طفلة في الثامنة سترغب حتمًا بأن تلعب دور الأميرة، أنا كنتُ أرغب بدور الساحرة، الغجرية التي تمرر أصابعها على أغلفة الكتب الجلدية، وتفتحها بشكل عشوائي، وتقرأ سطرًا واحدًا تقرر بناءً عليه ما سيكون عليه المستقبل. تلك الكتب التي كنتُ ألعب «بها ومعها» كانت كتبًا دينية في الغالب، ولم تكن قراءتها سهلة.. لكنني كنت مفتونة بها. بورقها الأصفر المهترئ وتجليدها السميك القديم، مكتبتي الآن تشبهُ حياتي. إنها تتألف من الروايات بنسبة %70 على الأقل.. البقية لاهتماماتي الأخرى؛ علم نفس، أديان ومثيولوجيا، فلسفة، أدب طفل. إنها المكان الذي أرتاح فيه من العالم.

مشاركة :