التنوّع البيولوجي يضربه التلوث وتفاقم الاحتباس الحراري

  • 6/7/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ن الصعب تجاهل أن ظاهرة تفاقم الاحتباس الحراري تساهم حاضراً في ضرب «التنوّع البيولوجي» Biodiversity عبر تسببها بانقراض متصاعد في أنواع الكائنات الحيّة. المفارقة أن الأرض لم تخرج من العصور الجليدية القديمة قبل مئات آلاف السنين، وتالياً لم تتطوّر أنواع الكائنات عليها، إلا بفضل... الاحتباس الحراري! وآنذاك، ساهم انحسار التلوث الذي كان متأتياً من غبار تراكم في الغلاف الجو بأثر من ثورات البراكين، وذلك الذي نجم عن ارتطام نيازك ضخمة بالأرض. وإذ شكّل الغبار عازلاً معلقاً في الهواء يحول دون وصول أشعة الشمس إلى الأرض، فإن انحساره أدى إلى تدفق الضوء مع ما يحمله من حرارة. وارتفعت حرارة الكوكب تدريجياً، فخرج من العصور الجليدية، وأخذت الأنواع الحيّة تتكاثر على سطحه بسرعة، بل بشكل انفجاري أحياناً. ويعني ذلك أن الاحتباس الحراري يحفظ للأرض جزءاً من الدفء الذي يصلها من الشمس. ولكن الأمر انقلب إلى ضده، منذ الثورة الصناعية، بفعل الاستخدام المتوسع باطراد للوقود الأحفوري (نفط، غاز، فحم...) المترافق مع تراكم الغازات الناجمة عن حرق ذلك الوقود في طبقات الغلاف الجوي. ولم تعد الأرض قادرة على التخلص من فائض حرارتها، لأن «دثاراً» من غازات التلوث بات يمنعها من ذلك. وتراكمت الحرارة على الأرض، بل تفاقمت إلى حد التسبب بكوارث مستمرة، بل التهديد بانفلات الكوارث من عقالها إلى حد يخرب أسس وجود الحياة على الأرض. ابحث عن أرباح الشركات مع تفاقم الاحتباس الحراري، عانت مجموعات كبيرة من الكائنات الحيّة حرارة مؤذية لوجودها، وأدى تسارع ذوبان الثلوج في القطبين إلى تغيير تركيبة المسطحات المائية الكبرى، ما جعلها غير صالحة لعيش مجموعة كبيرة من الكائنات الحيّة. وكذلك اضطرب المناخ، واهتز تعاقب الفصول، وتناقص معدل هطول الأمطار، وطاول التصحر مساحات شاسعة من الكرة الأرضية و... و... غيرها من الكوارث التي صارت خبراً يومياً لمعظم الناس، وهي ناجمة عن اضطراب المناخ. وعانى التنوّع البيولوجي بشدة من ظاهرة الاحتباس الحراري مع ما يرافقها من اضطراب المناخ، بل شرعت أصناف الكائنات الحية تتناقص باطراد. وتضمّ مجموعة بلدان الجنوب قرابة 80 في المئة من التنوّع البيولوجي، وتمثّل المزارع الصغيرة، التي يحتفظ فيها المزارعون ببذور المحاصيل المحليّة ويتبادلونها، ما يزيد على 90 في المائة من المزارع عالميّاً. بقول آخر، تنجح حبوب المزارع الصغيرة وبذورها في الإفلات من قبضة شركات «الأطعمة المُعدّلة جينيّاً» Genetically Modified Food، فيما ترى تلك الشركات أن بذور صغار المزارعين تمثّل عقبة أمام رغبتها في فرض بذورها التجاريّة. لذا، تعمل شركات «الأطعمة المُعدّلة جينيّاً» (على غرار شركة «مونستانتو» الأميركيّة العملاقة) بالتعاون مع «منظمة التجارة العالميّة»، على فرض مجموعة من الإجراءات والقوانين على المستوى الدولي تتلاءم مع سعيها إلى نشر بذورها في حقول العالم وسهوله، بغض النظر عن الأوضاع للدول ومشاكلها. على رغم أن الولايات المتحدة هي المُصنّع الأهم لمادة الـ «إيثانول» المستخرجة من الذرة (37 في المئة من الإنتاج العالمي)، هناك دول أخرى تلجأ إلى استخراجه من مصادر أخرى، لكنها ليست أقل إثارة للجدل. وتعتبر البرازيل أكبر منتج ومصدّر للـ «إيثانول» المستخرج من قصب السكر. ويشكّل إنتاجها منه قرابة 35 في المئة من الإنتاج العالمي. ويقدر بعض الخبراء أنها ستتفوّق على أميركا في غضون سنوات قليلة. وتعتبر مدينة ساو باولو «عاصمة الإيثانول» عالميّاً، إذ تستأثر بما يزيد على 60 في المئة من إنتاج تلك البلاد. وتضم ساو باولو ما يزيد على 344 مصنعاً تضخ قرابة 20 بليون ليتر سنويّاً. وهناك محاولات جادة تجري بين الولايات المتحدة والبرازيل، وهما مصدر ثلثي الإنتاج العالمي من «الإيثانول»، لتكوين منظمة لتصدير الإيثانول على غرار «اوبك» في النفط، وتصطدم تلك المحاولات بجدار سياسي صلب، خصوصاً في البرازيل. البترول المظلوم! يثبت النفط مرّة أخرى، أن العلاقة التي تربطه بالطاقة والتلوّث هي أعقد مما يبدو على السطح في المعادلة المبسّطة التي ترى فيه مجرد مصدر للتلوث، مع الترحيب ببدائله كافة. لا أقل من القول إن تلك النظرة مبسّطة تماماً. ويعطي الوقود الحيوي («بيوفيول» Biofuel) مثالاً مكثّفاً عن ذلك التعقيد، إذ انطلق الـ «بيوفيول» بوصفه أحد خيارات الطاقة البديلة للنفط. وفي المقابل، منذ انطلاقة شركات صنع الوقود الحيوي، علت صرخة نشطاء البيئة ضده، وشاركهم في ذلك المدافعون عن الحقوق الأساسيّة للناس أيضاً. ولا يجدي القول إن صناعة الـ «بيوفيول» غيّرت تركيزها من الوقود المصنوع من نباتات غذائيّة مباشرة، كالكولزا والبنجر وقصب السكر، إلى نباتات لا تدخل مباشرة في الغذاء، إذ إن الواقع الكئيب يبقى أن كميات هائلة من النباتات والأشجار يجب أن تقطع باستمرار كي تضخّ وقوداً «حيوياً» إلى المركبات بأنواعها. ولعل من المثير القول إن الفارق في التلوث بين الوقودين الأحفوري والحيوي، ليس كبيراً أبداً. أكثر من ذلك، إذا احتسبت ما تخسره الأرض والهواء من قدرة النباتات على تخليصها من التلوث وإمدادها بالأوكسجين، تكون الكلفة البيئيّة للوقود الأحفوري أدنى كثيراً. من أين يأتي ذلك الرأي؟ في 9 شباط- فبراير (2015)، رفِعَت عريضة موقّعة من 78 عالِماً إلى جينا مكارثي، مديرة «الوكالة الأميركيّة لحماية البيئة»، تؤكّد أن الحصول على الطاقة من مصادر حيويّة لا يخفف من التلوّث بثاني أوكسيد الكربون، وهو الغاز الرئيسي في مجموعة غازات التلوّث المسبّبة لظاهرةَ الاحتباس الحراري، وفق ما ورد آنذاك في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركيّة. وللتذكير، فمنذ بداياته، لم يكن الوقود الحيوي موضع إجماع لدى نشطاء البيئة، بل سخر بعضهم من تسمية «حيوي» التي تشير إلى أن مصدره كائنات بيولوجيّة (هي النباتات)، لكنه يميتها ويفنيها في مسار صناعته! بعبارة ساخرة، ليس الـ «بيوفيول» حيويّاً إلا بمقدار قضائه على كائنات حيويّة! كذلك يتصل أمر الوقود الحيوي بمسألة الغذاء أيضاً، إذ يورد أحد تقارير «منظمة الزراعة والتغذية» (فاو) أن إنتاج الوقود الحيوي يزيد الجوع الذي يعانيه قرابة 854 مليون شخص ويتسبّب بوفاة ما لا يقل عن 100 ألف ضحية سنوياً. ويكفي القول إن إنتاج 13 ليتراً من الـ «إيثانول» يحتاج الى ما يزيد على 231 كيلوغراماً من الذُرة، وهي تكفي لإطعام طفل في دولة نامية لسنة كاملة! شارك المقال

مشاركة :