تحرير الحُديدة.. أهم مفاتيح الحسم العسكري في اليمن

  • 6/7/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

إن أهمية السيطرة على محافظة الحديدة من طرف قوات الشرعية والتحالف العربي فرضتها مجموعة من الإكراهات الاستراتيجية، وعلى رأسها تزايد تعرض سفن التحالف العربي والدول الأخرى لهجمات صاروخية وزوارق مفخخة في البحر الأحمر.. رغم تعدد جبهات القتال في اليمن لاستئصال الوجود الحوثي وإعادة اليمن إلى حضنها العربي الطبيعي، إلا أن جبهة الحديدة تحظى بأهمية استراتيجية كبرى، سواء بالنسبة لقوات الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي، أو بالنسبة للعدو الحوثي، لاعتبارات جيوستراتيجية فرضها وجود المحافظة على الساحل الغربي لليمن، الذي يعتبر المنفذ الرئيس للإمدادات العسكرية واللوجيستية والتموينية الآتية من إيران و»دول أخرى» ورطت نفسها، أخيراً، في تقديم الدعم العسكري لميليشيات الحوثي الإرهابية. في هذا السياق، تحتل محافظة الحديدة موقعا جغرافيا متميزا يتوسط الساحل الغربي لليمن، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من مليوني نسمة كثاني أعلى كثافة سكانية بعد محافظة تعز. ويقطن مدينة الحديدة، المركز الإداري للمحافظة، نحو 400 ألف نسمة، وتتصل بالعاصمة صنعاء عبر طريق يبلغ طوله حوالي 226 كيلومترا. ويعد ميناء الحديدة ثاني أكبر ميناء يمني بعد ميناء عدن، وأحد أكبر الموانئ على البحر الأحمر، ويُؤمن نشاط أكثر من 70 في المئة من حجم الملاحة البحرية. وهذا الامتياز البحري وفر للحوثيين إيرادات جمركية ورسوما خدمية كبيرة، إضافة إلى استخدامه في تهريب الأسلحة وتهديد سلامة الملاحة البحرية. إن أهمية السيطرة على محافظة الحديدة من طرف قوات الشرعية والتحالف العربي فرضتها مجموعة من الإكراهات الاستراتيجية، وعلى رأسها تزايد تعرض سفن التحالف العربي والدول الأخرى لهجمات صاروخية وزوارق مفخخة في البحر الأحمر، إضافة إلى كونها مركز إمداد رئيسا للحوثي، دون إغفال البعد الإنساني على اعتبار أن الميناء يبقى المنفذ الأهم لإيصال المساعدات الإنسانية الدولية للشعب اليمني، وبالتالي فإن السيطرة على الحديدة، خاصة الميناء ومطار المدينة، سيُعجلان بالحسم العسكري في اليمن. وإذا كانت معالم الوضع العسكري الميداني قبل شهور تبدو معقدة، من خلال تباعد مواقع قوات تحالف الشرعية في تعز والمخا وميدي وهشاشة السيطرة على مناطق الساحل، إضافة إلى المخاوف من الإكراهات الديموغرافية التي لا تشجع على الاستهداف البحري للمدينة، فإن الواقع الميداني اليوم تغير، خصوصا مع إخضاع معظم المديريات والمحافظات المجاورة للحديدة ومرابطة قوات الشرعية، مدعومة بقوات التحالف على تخوم المدينة ومحاصرتها عبر ثلاثة منافذ رئيسة، مع ترك ثغرة مفتوحة على الجانب الشرقي من المحافظة لإفساح المجال لتسليم المغرر بهم أنفسهم، وإحداث حالة من الضغط النفسي لدى عناصر الحوثي بوجود إمكانية الهرب من المحرقة، التي ورطهم فيها التنظيم، عبر تفادي تفعيل تكتيكات الحصار المغلق، الذي غالبا ما يدفع المحاصَر إلى القتال حتى الموت ما دام ليس هناك مجال للانسحاب أو الهرب. على مستوى مسرح العمليات، يمكن القول إن تبني تكتيك تعدد خطوط المواجهة واتساع رقعة جبهة العمليات، يبقى مطلبا تكتيكيا مهما، الغرض منه هو تشتيت قوات العدو، المحاصر أصلا، على طول جبهة العمليات، وعدم قدرته على تركيز قواته في نقطة واحدة، ما يسهم في سرعة إنهاكه، خصوصا مع التفوق العددي الذي تمتلكه الشرعية والتحالف، في انتظار تحديد «الثغرة الاستراتيجية» للعبور من خلالها بأكبر قدر من القوات، والزحف البري على المدينة؛ لتحريرها دون خسائر جانبية في الأرواح والممتلكات والبنيات التحتية. ولفهم أكثر للأهمية الاستراتيجية لتحرير الحديدة، وجب القول إن الخبراء في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية يعلمون جيدا أن الاستراتيجية الحربية تقسم الأهداف العسكرية إلى أهداف استراتيجية «حاسمة» وأخرى «موضوعية»؛ حيث إن الأهداف الاستراتيجية «الحاسمة» تُمثلها المواقع التي تساعد على التقدم والحسم العسكري على مستوى مسرح العمليات كله، أو على مستوى إحدى جبهات القتال. أما الأهداف الاستراتيجية «الموضوعية» فهي المواقع التي يتم رسمها، ابتداء، كأهداف رئيسة عند وضع الاستراتيجية الحربية (هنري أنطوان دي جوميني: «موجز فن الحرب»، ج1 ص194). وهنا يمكن الجزم بأن الأهداف الاستراتيجية «الموضوعية» في اليمن تتلخص في تحرير العاصمة السياسية صنعاء، وإخضاع مركز الثقل العسكري ممثلا في محافظة صعدة، فيما تبقى الحديدة من أهم الأهداف الاستراتيجية «الحاسمة»، التي سيشكل إخضاعها إيذانا ببداية العد العكسي للحرب في اليمن. بمقتضى هذا الطرح، يمكن القول إن تحرير الحديدة يبقى ضمن الأهداف الحاسمة لتحرير مجموع التراب اليمني من القبضة الإيرانية، التي تحاول أن تجعل من اليمن قاعدة عمليات يتم استغلالها للانتقال لإخضاع باقي دول الخليج العربي، وتحقيق حلم حياة حكماء الدولة الصفوية.

مشاركة :