مَجِيءُ السَّيِّدِ المَسِيحِ إِلىَ أَرْضِ مِصْرَ 2 بقلم القمص أثناسيوس جورج

  • 6/7/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في عيد مجيء السيد المسيح إلى أرض مصر يفرح أقباطها وكل بنيها بالبركة الإلهية؛ لحضور محب البشر الكائن قبل الدهور إلى تخومها. إن اختياره لمصر البلد الوحيد لقدومه إليها أمر إلهي مملوء بالأسرار؛ سبق الله وأعده منذ الأزل وتنبأ عنه الأنبياء.. فلم يكن قدوم المسيح إلى مصر مصادفة؛ لكنه وفق تدبير الخلاص.هرب مسيحُنا من وجه الشر.. لكنه لم يُشهِّر بأحد؛ ولم يخاصم أحدًا؛ ولم يظلم أحدًا؛ ولم يَنْفِ أحدًا؛ ولم يذبح أحدًا البتة.. هروبه ورجوعه كانا بأمر إلهي. وها الشيطان يحاول أن يعطل ويعرقل تكميل أمر خلاصنا.. لكن يعظُم انتصارنا بالله مخلصنا الذي قدم لنا نفسه مثالًا؛ وكرَّس لنا طريق الغلبة على الشرير؛ فصار دخوله إلى مصر هو دخول ملاك العهد الحقيقي؛ منقذنا من العبادات الشريرة ومن السِّحْر والصنمية.. أتى إلينا محمولًا على السحابة الخفيفة؛ أمه الطاهرة العذراء كل حين، وسمعت أصوات حضور الملائكة بحضور شمس البر إلى كورة مصر، فحيث يكون تذعن له الطبيعة لأنه شاء أن يتمم رحلة خلاصه ليسترد كل الأشياء إلى طاعته.. أما على الجانب الآخر فهرع الطفال إلى من صار طفلا معهم ولأجلهم ليتم ماقيل (من أفواه الأطفال والرضع هياءت تسبيحا)، لذلك صبيان الصبي ارتفعوا إليه شهداء قدامه ولأجله، ساروا في موكبه رجالا لمن صار لأجلهم إنسانا ليبرئ بؤس الناس من جميع الأعمار، كهنة لمن صار رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق، وعبيدا لمن أخذ صورة عبد ليبارك عبوديتنا ويكللها بالحرية، صيادين لمن اصطادهم وجنود لملك المجد، قرابين وصعائد عند مهد ميلاده الكريم، عندما سمع صراخ وعويل وبكاء الرامة، لأن راحيل تنعى أولادها ولا تتعزى لأنهم ليسوا موجودين.. أما نحن فلنشترك في موكبه بذبيحة العبادة الطاهرة ونحمله في قلوبنا ضيفا وملكا متوجا في مهده وفي قدومه إلى مصرنا.ليتنا نُدرِك إشراقة قدومه الخلاصية إلينا لننال نجاتنا؛ وتنهدم أصنامنا وتذوب قلوبنا. فنبني أسوار أورشليم (مذبحَهُ هذا الذي صار)؛ ونعرفه معرفة الخبرة والمعايشة والتذوق والاتحاد؛ مُدرِكين ما أدرَكَنا هو لأجله، محققين مقاصد قدومه إلى أرضنا الطيبة في كنيستنا صاحبة الكنوز والثروات الروحية التي لا تُقاس، وندعوه لأنه قريب؛ وقد أتى إلينا كي نأتي إليه بلا مانع ولا عائق.. بارك أرضنا وزرعنا ومياهنا ومجالنا بنعمة حضوره المجيد، فى زيارة ملوكية صنعت التاريخ وقدست الجغرافيا، وكتبت مصر فى سجل الحياة وملء بركة الإنجيل الطاهر وترك بصمة خط سير رحلته في آثارنا التي تنطق بعظمتها وبراعتها القدسية، والتي جعلت مصر قدسًا ثانيًا.بارك مصر بنزوله إليها كما نزل يوسف ابن يعقوب واختزن القمح لإحياء العالم الجائع، هكذا نزل مخلصنا؛ الخبز الحي النازل من السماء ليحفظ حياته من يد الناقمين؛ حتى يضمن الحياة للعالم كله، فصيَّر كنيسة مصر وبراريها كالجنات وكالمنارة التي تضم قطيع ملوكي من الأمناء الأتقياء الحافظين العهد والأمانة. خوارس الشهداء والمعترفين والنساك والأبرار واللاهوتيين والبسطاء والعذارى والشهود لآلامه؛ جنوده من طغمات الكنيسة المقدسة الحية؛ عبر هذا الزمان من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور، وهي تناديه متلمسة حضوره فيها أمسا واليوم وإلى الأبد.ليتَ المسيح إلهنا صاحب العيد يمنحنا عيدية العيد؛ ويُنعم علينا بسلامة ويقبل قلوبنا وبيوتنا في مصر ليستريح فيها لا كضيف أو زائر بل كمالك للكل وكمقيم كل حين، وأن يجعل كنيسة مصر حنطة وبركة للعالم الجائع بشهدائها كل يوم وبكرازتها ولاهوتها السكندري، وأن يُديم عمار مذابح مصر؛ علامةً وشهادةً له؛ ويَجِدَ له مسرةً في أهلها؛ كما وجد فيها ملجأً عند مجئيه يومًا هاربًا له المجد والسلطان الإله الوحيد الحكيم.

مشاركة :