الاستراتيجية الأميركية في الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران

  • 6/7/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق الذي أبرمته مجموعة (٥+١) مع إيران بشأن برنامجها النووي المعروفة بخطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) عام ٢٠١٥، متوقعاً وغير مستغرب للمطلعين على وثيقة استراتيجية الأمن الوطني الأميركي التي وقعها الرئيس ترامب في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، خصوصاً إذا ما تم ربط عناصرها مع الوعود الانتخابية السابقة للرئيس ترامب التي أشار فيها إلى عدم رضاه عن الاتفاق، ووعده بإعادة التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني حال انتخابه رئيساً. وتعد وثيقة استراتيجية الأمن الوطني الأميركي من الوثائق المهمة في النظام السياسي الأميركي، ويتعين على كل رئيس أميركي إصدارها ليطلع إدارته ومختلف الجهات التشريعية والرقابية والتنفيذية في المنظومة السياسية الداخلية للولايات المتحدة على رؤية الاستراتيجية للتعامل مع القضايا والتحديات الأمنية والسياسية المهمة للمحافظة على المصالح وحماية الأمن الوطني الأميركي. ويظهر جلياً لعين المتفحص لتلك الوثيقة الاهتمام الواضح بالمسألة الإيرانية في رؤية الرئيس ترامب، اذ ورد اسم إيران أو النظام الإيراني نصاً في ١٧ موضعاً مختلفاً في صفحاتها كرابع دولة تحظى بالاهتمام بعد الصين الوارد اسمها في ٣٣ موضعاً وروسيا في ٢٥ موضعاً وكوريا الشمالية ٢١ موضعاً. ولم يرد ذكر النظام الإيراني في الوثيقة إلا مقترناً بالانتقاد لسياساته ودوره السلبي في الأمن الدولي والاقليمي، بدءا من «حشد العالم لدرء خطر النظام الديكتاتوري في إيران الذي لم يحترم حتى الدول التي وقعت معه الاتفاق النووي المهترئ» في رسالة الرئيس ترامب الافتتاحية للوثيقة. وتحت عنوان: «العالم التنافسي» في الصفحة الثالثة تحدثت الوثيقة عن الدور الإيراني المزعزع للأمن الإقليمي والمهدد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها والوحشي حتى مع مواطنيه، والذي يدعم الحركات الإرهابية كذلك -كما ذكر في الصفحة السابعة- وسمى منها حزب الله اللبناني نصاً في الصفحة الحادية عشرة المدعوم من «إيران المارقة» ونظامها الراعي للنشاطات الإرهابية في العالم وغير الآبه بمبادئ العالم الحر المتحضر كما تصفه الصفحات ٢٥ و٢٦ من الوثيقة. وأشارت الوثيقة إلى تورط النظام الإيراني في القلاقل الإقليمية عند الحديث عن الأمن الإقليمي في الصفحات ٤٥ -٥٠ من الوثيقة، وأن نزعة النظام الإيراني «التوسعية» وكونه «النظام الرائد عالمياً» في مجال «رعاية الاٍرهاب» من ركائز الإخلال بالأمن في الشرق الأوسط والعالم، ويترجم ذلك الدور السلبي له في سورية والعراق واليمن ولبنان وغيرها من المناطق، إضافةً إلى سجله المتدني في مجال حقوق الإنسان داخلياً، ما يعكس خطره المستمر على الأمن الإقليمي وإلزامية التصدي لنشاطاته وتحييد خطره. أما من ناحية الإجراءات التطبيقية الممكنة ضد النظام الإيراني بعد الانسحاب التي قد تتخذها الولايات المتحدة وتقنع بها شركاءها الدوليين والإقليميين، فمن المتوقع أن تشمل دعم فصائل المعارضة الإيرانية السياسية للاستفادة من الاستياء الشعبي في الشارع الإيراني الداخلي للضغط على النظام الإيراني في هذه المرحلة، خصوصا بعد الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد النظام الحاكم في إيران مطلع العام الجاري في العديد من المدن الإيرانية ولا تزال جذورها حية في شوارع بعض المدن على رغم سطوة قوات النظام القمعية. ومن الإجراءات المتوقعة كذلك، ازدياد وتيرة العقوبات على النظام الإيراني وداعميه والضغط عليه لإيقاف نشاطاته العسكرية تحديداً مثل تطوير الصواريخ الباليستية والتدخل العسكري في دول الإقليم ووقف الدعم للمنظمات الإرهابية التابعة للنظام، وبالطبع سيكون الشريان الاقتصادي الإيراني هو الهدف الاول المتوقع للإجراءات العقابية التطبيقية، وسيخسر الجانب الإيراني الكثير من علاقاته الاقتصادية بالشركات الغربية ومن غير المتوقع أن تفلح محاولاته اليائسة لثني الدول الأوروبية عن موافقة القرار الأميركي، نظراً لتشابك المصالح الاقتصادية بين الشركات الغربية والثقل الاقتصادي الأميركي الكبير المؤثر على القرار الغربي. من هنا يمكن القول ان الانسحاب الأميركي من خطة العمل المشتركة الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني لا يدل على أمر مستجد في السياسة الأميركية، بل يعكس في نظر البعض من المهتمين بالأمر تصحيحاً في سياسات حقبة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في هذا الشأن من أجل مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية التي أضر بها الاتفاق النووي الخاطئ مع النظام الإيراني المهدد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وأمن منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاقتصادية الكبرى للعالم أجمع، ويرى البعض أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي تحقيقاً لتطلعات الشعب الإيراني نفسه كونه المتضرر الأول من سياسات نظامه العدائية، ولا يستطيع حتى كبار المتعاطفين مع النظام الإيراني أن يثبتوا أن الاتفاق النووي الذي انسحب منه الأميركيون يحد من الأنشطة الإيرانية المشبوهة، مثل بناء منظومة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى والقادرة على حمل رؤوس تدميرية قد تكون من الأسلحة ذات التدمير الشامل مستقبلاً إن تمكن النظام الإيراني من الحصول عليها.

مشاركة :