الدورات التدريبية ودوام المعلمين في الغرب بين الاختيار والإجبار

  • 6/7/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بداية لابد من التأكيد على أنه ليس كل ما يأتي من الغرب دوما أفضل، كما يجدر التنبيه إلى أن مشاكل التعليم في العالم كله متشابهة إلى حد بعيد، حتى الصور النمطية عن المعلم الذي يستمتع بعطلات طويلة، ودوام يومي قصير، يكررها السياسيون وأولياء الأمور في غالبية الدول، وكذلك النقاش حول ما إذا كان من الضروري إلزام المعلمين –مهما طالت سنوات خبراتهم- بحضور دورات تدريبية أم لا، وهل ينبغي أن يأتي المعلمون إلى المبنى المدرسي أثناء عطلات الطلاب؟ لعل نظرة إلى خارج الحدود تسهم في إثراء النقاش لدينا حول ذلك.قواسم مشتركة رغم الاختلافاتاتفقت دول الاتحاد الأوروبي منذ البداية على أن يظل التعليم شأنا خاصا بكل دولة على حدة، ولذلك نجد اختلافات كبيرة بين هذه الدول الثماني وعشرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر يبلغ مجموع عدد أيام العطلة المدرسية للطلاب في بلغاريا 102 يوما في السنة، في حين تقتصر أيام العطلة في التشيك على 56 يوما فقط، ويبلغ متوسط أيام العطلة في كل دول الاتحاد الأوروبي 78 يوما في السنة، ويبرر البعض ذلك التباين الشديد بحالة الطقس، بحيث لا يجلس الطلاب في صفوف غير مجهزة للتقليل من درجة الحرارة، أو بسبب تدني رواتب المعلمين بشدة، وضرورة إتاحة المجال لهم لممارسة عمل إضافي، لمواجهة تكاليف الحياة. ولكن السنوات الأخيرة شهدت مبادرات أوروبية عديدة للإسهام في تطوير التعليم، وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مشروعات مشتركة، من خلال التبادل الطلابي والتوسع في تعلم اللغات الأجنبية، وتبادل الخبرات في القضايا التي تمس جوهر العملية التعليمية، حتى ولو اقتصر الأمر على توجهات عامة، وتوصيات غير ملزمة للدول الأعضاء فيها، خاصة وأن بعض الدول الأوروبية لا تمتلك وزارة تعليم مركزية واحدة، بل تترك هذه الصلاحيات لحكومات المقاطعات والولايات المختلفة، بحيث نجد داخل الدولة الواحدة أكثر من 15 نظاما تعليميا.في السطور التالية سنتناول الملامح المشتركة لقضية الدورات التدريبية للمعلمين في مختلف الدول الأوروبية، دون الخوض في تفاصيل كل دولة أو مقاطعة على حدة، وكذلك مسألة العطلات المدرسية، وما إذا كان المعلمون الأوروبيون يتمتعون بنفس المدة التي يحصل عليها الطلاب.أنظمة الدورات التدريبية للمعلمينمن خلال نقاشات مع خبراء تعليم ومعلمين من دول أوروبية عديدة، وبعد الاطلاع على الكثير من اللوائح القانونية بشأن الدورات التدريبية للمعلمين، يمكن القول إجمالا بأن غالبية الدول تلزم المعلمين بحضور هذه الدورات، لكن عددا قليلا منها يفرض عقوبات على من لا يقوم بذلك. ويوضح خبراء التعليم الأوروبيين بأن الإحصائيات تشير إلى أن حوالي 80 في المائة من المعلمين الأوروبيين يقبلون على هذه الدورات، وذلك إما لأنهم يؤمنون بأهمية هذه الدورات في تطوير مهاراتهم وقدراتهم التربوية والعملية، الأمر الذي يجعل منهم معلمين أفضل، أو لأنهم يدركون أنها السبيل الأمثل للترقي، والحصول على درجات وظيفية أعلى، كما أنها تزيد من فرصهم، إذا تقدموا إلى وظائف أفضل في مدراس أخرى، أو لأنهم لا يرغبون في التعرض للمساءلة بسبب عدم الحضور، والذي قد يصل الأمر في أسوء الأحوال إلى إنهاء عقود عملهم.من بين الأمثلة الكثيرة التي ترد في القوانين التعليمية، تفرض بعض الدول ألا يقل عدد الأيام التي يحضرها المعلم سنويا في دورات تدريبية عن ثلاثة أيام، يستمر الدوام فيها خمس ساعات يوميا على الأقل، ويمكن للمعلم في حالة الضرورة تعويض النقص في هذه الدورات في إحدى السنوات، في العام التالي، بشرط أن يتحقق هذا النصاب  خلال أربع سنوات، بمعدل 12 يوما، أي ما يعادل مجموعه 60 ساعة.وتشترط الأنظمة التعليمية الأوروبية أن يكون حضور المعلم في هذه الدورات التدريبية خارج أوقات الدوام الرسمي، وتفضل أن يكون ذلك في أثناء العطلات المدرسية المخصصة للطلاب، وإذا تعذر ذلك فتكون في عطلة نهاية الأسبوع، أو بعد نهاية الدوام المدرسي، وتحث على عدم جواز غياب المعلم عن حصصه، لحضور هذه الدورات إلا في أضيق نطاق، وبعد موافقة مدير المدرسة، والقسم الذي يضم زملاءه في التخصص الدراسي، والذين سيضطرون للنيابة عنه في التدريس.وتحتسب فترة الدورات التدريبية، كأوقات عمل، ويحصل المعلم على تعويض عن مصاريف التنقل، ورسوم الدورات، بشرط أن تكون الجهة التي توفر هذه الدورات، معترف بها من وزارة التعليم، ويعمل بها مدربون معتمدون، ويفضل أن تكون في منطقة قريبة من المدرسة، بحيث لا تتحمل المدرسة تكاليف إضافية مقابل الإقامة، ويتحمل المعلم نسبة محدودة من هذه التكاليف.محتوى الدورات بين الواقع والمأموليمكن القول إجمالا إن هناك نوعين من الدورات، وهما:الأول: يرتبط بالمؤسسة التعليمية، فيراعي احتياجات المدرسة التي يعمل فيها المعلم، مثل الرغبة في التوسع في التعليم باستخدام الكمبيوتر، أو وجود توجه للربط بين التخصصات المختلفة لتناول نفس الموضوع، وكيفية التنسيق بين المعلمين في ذلك، أو لتعليم الطلاب الفكر النقدي، من خلال النقاش وإتقان فن المناظرة.الثاني: ويرتبط بتطوير المعلم ذاته، وينقسم بدوره إلى جانبين:أ‌) إما بتنمية قدراته التربوية، والتعرف على طرق التدريس الحديثة، وكيفية الابتكار في الدرس، وربط المادة الدراسية بالحياة اليومية، لجذب اهتمام الطلاب، وجعل المادة العلمية مشوقة لهم، وتعزيز روح المشاركة الفعالة لديهم. ب‌) أو بتطوير معارفه العلمية، من خلال التعرف على الجديد في المادة التعليمية التي يقوم بتدريسها، وما استجد فيها منذ غادر مقاعد الدراسة الجامعية، أثناء تأهيله كمعلم. من الناحية النظرية يبدو ذلك منطقيا، فتطوير التعليم يحتاج إلى أن ترتقي المؤسسة التعليمية ككل، وأن يطور المعلم نفسه، وبعدها من المفترض أن يصبح الوضع أفضل، لكن بعض خبراء التعليم، يرسمون صورة سلبية لواقع هذه الدورات في بعض الدول، فيرون أنها لا تحقق المأمول منها على الإطلاق، ويبررون ذلك بالأسباب التالية:

مشاركة :