صحيفة مكة - مكة المكرمة أكد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، أن الإسلام حَفِظَ الإنسان في دينه ونفسه وعقله ونسله وماله، وحفظ عقيدته وعبادته وصحته وعافيته، وقال: إن البشر متساوون في أصل الكرامة الإنسانية والحقوق والمسؤولية، لا تفاضل إلا بالتقوى. وقال: من هنا فلا صلاح ولا فلاح لهذا الإنسان إلا بالاستقامة على شرع الله، ثم ما يبديه البشر جميعاً من تعاون وتآزر لإصلاح الأرض وحُسن عمارتها وحفظ أهلها. وأضاف الشيخ ابن حميد في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: من أعظم ما يجسد المسؤولية المشتركة للحفاظ على الإنسانية في مسيرتها والجماعة في مكوناتها واستقامتها على شرع الله، هذا التمثيل النبوي في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا؛ فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا). وأردف: من هذا المنطلق اهتم أهل العلم بكل ما يتعلق بأحوال الإنسان وحاجاته في غذائه ودوائه وصحته وسلامته، وأحوال الاختيار، وأحوال الاضطرار؛ استناداً وانطلاقاً من نصوص الشارع وغاياته ومقاصده وحكم تشريعه. وتابع خطيب الحرم: من أعظم أوجه التعاون وأوسع أبوابه، ذلك الإحساس العميق والشعور النبيل بمن ابتلوا ببعض ابتلاءات الدنيا في أبدانهم وأهليهم، تعاون ينعم فيه المجتمع بكل فئاته وأطيافه أصحائه ومرضاه بهدوء البال وراحة النفس، يتجلى ذلك في استعراض ما ينبغي من مواقف وحسن سلوك وتصرف من بعض الأمراض التي يبتلى بها بعض العباد؛ وبخاصة الأمراض المعدية. وقال: العدوى حق وهي تعدي بإذن الله وتقديره، وإن العدوى تصيب بعض الناس دون بعض؛ فالعدوى إذا أذن الله أعدت وسرت، وإن لم يأذن لم تُعْدِ ولم تنتقل وبعض من يخالط المريض يصاب وآخر لا يصاب وهم في مكان واحد. وبيّن الشيخ صالح بن حميد أن المؤمن يعتقد اعتقاداً جازماً أن الله هو الحافظ المدبر المتصرف، وهو الذي خلق الأسباب وأذن بفعلها وتأثيرها، والمسلم يتخذ الأسباب لجلب النفع ودفع الضر، مع اعتقاده أن الله سبحانه هو رب الأرباب ومسبب الأسباب، يأذن بتأثيرها ويمنع من تأثيرها؛ فهو المالك المتصرف عز شأنه، والمؤمن يردّ قَدَرَ الله بقَدَر الله؛ فالأمراض والأدوية والعلاج والشفاء كلها بقدر الله وإذنه ورحمته؛ فشرعنا جمَع بين التوكل والأخذ بالأسباب؛ مبيناً أن التداوي يدفع المرض بإذن الله. وأضاف: أهل العلم قرروا أن حقيقة التوحيد لا تتم إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيل الأسباب وإهمالها يقدح في تحقيق التوكل؛ فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً، ومن ابتلى بشيء من هذه الأمراض المعدية؛ فينبغي أن يبذل من الأسباب ما يؤدي إلى سلامته وسلامة نسله وأولاده باختيار زوج أو زوجة، لا يتأثر نسلها بمرضه ويراجع في ذلك أهل الاختصاص. وأوضح أن الطهارة عند أهل الإسلام تشمل طهارة البدن والثوب والمكان؛ فيكون المسلم على هيئة حسنة في بدنه ولباسه وسكنه ومرافقه كلها، بعيداً عن الأدران المكدرة والهيئات المنفرة، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، مؤمن قوي يتحمل أعباء الحياة ويقوم بالمسؤوليات على وجهها. وأردف: مما ينبغي الالتفات إليه: بذل العناية الخاصة بالمصابين بهذه الأمراض عافاهم الله وعجل شفاءهم، وحسن رعايتهم الرعاية الخاصة والمعاملة التي تتطلبها مثل هذه الأمراض؛ ولا سيما الأطفال في حضانتهم ورضاعهم ورعايتهم، مع ما يجب التنبيه إليه من حفظ كرامة هؤلاء المبتليين، وعدم التطاول عليهم بلفظ أو إشارة أو تندر أو شماتة، أو الازدراء بأي صورة من الصور؛ ناهيكم عن قذفه في عرضه.. وحينئذ يجب اتخاذ الجزاء الرادع في حق المتجاوز، وقد يكون بإقامة حد القذف عليه؛ مبيناً أن الواجب هو حمد الله على العافية والسلامة، والمبادرة إلى بذل العون والمساعدة لمن يحتاجها؛ فالكرامة محفوظة للجميع. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة: لقد نبه أهل العلم أنه عند حصول وباء عام، يبادر المسلمون بالتضرع إلى الله واللجوء إليه بالدعاء والاستغفار؛ فالدعاء لرفع الوباء مشروع؛ مؤكداً أن سبب انتشار بعض الأمراض ونشوءها هو التهاون في اقتراف الفواحش والإسراف في المحرم من الملذات وإطلاق العنان للمنوع من الشهوات، وهي في ذلك مخيفة ومقلقة ومؤذنة بهلاك ودمار ناهيكم بأن من تعمد نشر الأمراض المعدية؛ فهو مفسد يستوجب العقوبة الرادعة.
مشاركة :