للمرة الثانية في خلال أسبوعين تدخل البنك المركزي التركي في مسعى لوقف التدهور الحاد في سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار وكبح التضخم. وأعلن البنك أمس (الخميس) عقب اجتماع للجنة السياسة النقدية، أنه قرر زيادة سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء لأسبوع (الريبو) بمقدار 125 نقطة أساس ليصل إلى 17.75 في المائة، في أحدث خطوة يتخذها البنك للمزيد من السيطرة على سعر صرف الليرة ومعدل التضخم، الذي يواصل في خانة العشرات.وقال البنك في بيان، إنه قرر زيادة سعر الفائدة من 16.50 في المائة إلى 17.75 في المائة. ومع الإعلان عن القرار الجديد، تعززت مكاسب الليرة التركية التي بدأت صباح أمس، لتبلغ 2 في المائة مقابل الدولار، عند 4.45 ارتفاعاً من 4.58 سعر الافتتاح.وكان البنك قرر استكمال عملية تبسيط السياسة النقدية ضمن تدابيره المتتابعة لوقف تدهور العملة المحلية (الليرة)، وأعلن أن سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع سيصبح سعر الفائدة الرئيسي، وذلك عند مستوى مساوٍ لسعر التمويل الحالي البالغ 16.5 في المائة.وجاءت هذه الخطوة بعد خطوتين سابقتين اتخذهما البنك الأسبوع قبل الماضي، أولاهما في اجتماع طارئ للجنة السياسات النقدية في 23 مايو (أيار) الماضي، حيث قرر رفع الفائدة من نافذة الإقراض الطارئ بواقع 300 نقطة أساس، ليرتفع سعر الفائدة الأساسي من 13.5 إلى 16.5 في المائة في مسعى لدعم الليرة المتهاوية التي فقدت 21 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام الحالي.أما الخطوة الثانية، فتمثلت في طرح تسهيلات جديدة للبنوك فيما يتعلق بتسديد قروض إعادة الخصم المسحوبة قبل 25 مايو الماضي، والمستحقة حتى 31 يوليو (تموز) المقبل، على التصدير وخدمات عائدات النقد الأجنبي.وذكر البنك أنه في حال سداد تلك القروض في موعدها المحدد، سيتم احتساب سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار عند 4.2 ليرة، واليورو عند 4.9 ليرة، والإسترليني عند 5.6 ليرة.وتعد «إعادة الخصم» أداة تتبعها البنوك المركزية حول العالم للسيطرة أكثر على معروض النقد بالعملة المحلية في السوق، وما لذلك من تأثير مباشر على معدلات التضخم وأسعار الفائدة.واعتمد البنك المركزي لسنوات نظاماً معقداً لأسعار فائدة متعددة ذكر خبراء أنه يحد من إمكانية التنبؤ بالسياسة النقدية، كما واجه بشكل مستمر ضغوطاً من الرئيس رجب طيب إردوغان لخفض أسعار الفائدة التي يعتبرها إردوغان «سبب كل الشرور».في سياق موازٍ، قال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، إن الحكومة مصممة على خفض التضخم إلى أرقام من خانة واحدة، أي إلى ما دون 10 في المائة، مشدداً على أن «مكافحة التضخم تأتي على رأس أولويات الحكومة».وسجلت أسعار المستهلك في تركيا ارتفاعاً بنسبة 12.15 في المائة في مايو الماضي بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام السابق، بحسب ما أعلنت هيئة الإحصاءات التركية الثلاثاء، بينما بلغ التضخم 10.85 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي.وتصاعدت مخاوف المستثمرين بعد إعلان أرقام التضخم في تركيا، وهو ما ألقى بمزيد من الضغوط على البنك المركزي قبل اجتماعه أمس للنظر في السياسة النقدية وأسعار الفائدة.ويبدي المستثمرون قلقاً من عدم اتخاذ الحكومة التركية إجراءات كافية لمواجهة التضخم، وسط إشارات على تدهور الاقتصاد.وأقر زيبكجي، في تصريحات أمس، بأن «معدلات التضخم لشهر مايو تفوق الأرقام المرتقبة على المدى المتوسط، لكننا مع ذلك مصرّون على خفض التضخم إلى أرقام أحادية خلال العام الحالي»، قائلاً إن الحكومة تدرك جيداً ما يجب عليها فعله في هذا الشأن.وأضاف: إن أرقام التضخم المعلنة لا تتوافق مع تطلعاتنا المدرجة في البرنامج متوسط المدى للربع الأول من العام الحالي؛ إذ كنا نهدف إلى خفض التضخم إلى أرقام أحادية، ولن نتخلى عن عزيمتنا لتحقيق هذا الهدف».وأوضح، أن مكافحة التضخم على رأس أولويات الحكومة، وأنها لا تفاضل بين التضخم والنمو الاقتصادي كل على حساب الآخر، فالأمران يحملان أهمية كبرى بالنسبة لها. وفيما يتعلق بالخطوات اللازمة لتخفيض التضخم إلى أرقام أحادية، ثم إلى دون 5 في المائة، قال زيبكجي إن «لجنة التنسيق الاقتصادي، برئاسة رئيس الوزراء، بن علي يلدريم، اتخذت قرارات، وتم تقديم بعضها إلى مجلس الوزراء للتوقيع عليها، وأن هذه القرارات ستدخل حيز التنفيذ بعد المصادقة عليها من رئيسي الوزراء والجمهورية.وأوضح زيبكجي، أن «القرارات تتضمن حزمة إجراءات، مثل زيادة العرض، ودعم الإنتاج الزراعي، وتخفيض الخسائر في الإنتاج الزراعي إلى الحد الأدنى، وتشجيع وتنظيم جمع المنتجات الزراعية وتصنيفها وتعبئتها وتخزينها في برادات وبيعها».وأشار إلى أن التضخم ليس ناجماً عن زيادة الطلب، وإنما عن قلة الإنتاج والعرض، وأن هناك استثمارات ستنجز في تركيا عبر حزمة تشجيع تعتمد على مشروعات بقيمة 40 مليار دولار، من شأنها خفض اعتماد البلاد على الاستيراد.وبشأن شكل مجلس الوزراء والإدارة الاقتصادية المزمع تشكيلها عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يونيو (حزيران) الحالي، ذكر زيبكجي أن الرئيس إردوغان جمع المعلومات والآراء اللازمة في هذا الشأن، قائلا إن البيروقراطية كانت تخلق مشكلات كثيرة، مثل عرقلة الابتكار، واختلاط الصلاحيات، وإهدار الوقت، والوقوف في وجه الحلول، ويوجد حالياً من 6 إلى 7 وزارات وهيئات مستقلة معنية بالاقتصاد، وهناك مساعٍ لخفضها إلى 2 أو 3 هيئات فقط.في السياق ذاته، قال نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية محمد شيمشيك، إن معدل التضخم سيبدأ بالانخفاض اعتباراً من النصف الثاني للعام الحالي. وأضاف شيمشك: إن معدل التضخم سيبدأ في الانخفاض اعتباراً من النصف الثاني من العام الحالي مكافحة التضخم وخفضه من أجل تحقيق نمو اقتصادي مرتفع، أمر بالغ الأهمية، ونحن على علم بذلك ونأخذه على محمل الجد.وكان البنك الدولي توقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد التركي 4.5 في المائة خلال العام الحالي، و4 في المائة خلال العامين المقبلين 2018 و2019. وجاء في تقرير نشره البنك الدولي، الثلاثاء، حول التوقعات الاقتصادية العالمية، تحت عنوان «عودة المد والجزر» أن الاقتصاد العالمي شهد اتجاهاً متوازناً للنمو للمرة الأولى في السنوات العشر الأخيرة، رغم المخاطر المتزايدة التي تهدد الاستقرار.وسجل الاقتصاد التركي معدل نمو فاق التوقعات بلغ 7.4 في المائة، في حين عدلت المؤسسات المالية ووكالات التصنيف الدولية توقعاتها وتوقعت معدلات منخفضة لنمو الاقتصاد التركي هذا العام والعام المقبل على خلفية التراجع الحاد في أسعار الصرف وزيادة العجز في المعاملات الجارية والميزان التجاري واستمرار التضخم في خانة العشرات.
مشاركة :