المفكر فرج فودة كان يدرك خطورة وجثامة المهمة التي تصدى لها، ألا وهي مواجهة الفكر التكفيري والإرهاب، حيث يقول في كتابه «الفريضة الغائبة» «هذا حديث قصدت فيه أن أكون واضحًا كل الوضوح، صريحًا كل الصراحة، زاعمًا أن الوضوح والصراحة في الموضوع الذي أناقشه استثناء».ويضيف «فودة» قائلًا «فقد صبت فى المجرى روافد كثيرة، منها رافد الخوف، ومنها رافد المزايدة، ومنها رافد التحسب من كل احتمال، وخلف ذلك كله يلوح سد كبير، يتمثل فى الحكمة التي يطلقها المصريون، والتي تدعو إلى سد كل باب يأتيك منه الريح، فما بالك إذا أتاك إعصار التكفير وارتطمت بأذنك اتهامات أهونها أنك مُشكك، وأسئلة أيسرها - هل يصدر هذا من مسلم؟ - وواجهتك قلوب عليها أقفالها، ووجدت أن الرمي بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث، وأن القذف بالاتهام أيسر من إجهاد الذهن بالاجتهاد».كان يرى «فودة» أن رفع الشعارات الدينية في المحافل السياسية والانتخابات هو نوع من أنواع التحايل لا أكثر ولا أقل لأنها شعارات فارغة من مضمونها، وأكد مرارًا على ضرورة فصل الدين عن الدولة، ما وضعه في خندق العدو بالنسبة لتلك الجماعات التي كانت ترفع شعارت تمزج بين الدين والسياسة.ولم ينجح «فودة» في تفادي أبواب الجحيم التي أشرعت في وجهه، من قبل عقول عليها أقفالها، استسهلت رميه بالرصاص على إجهاد عقولهم في التفكير، ففي مثل هذا اليوم الثامن من يونيو من عام ١٩٩٢ أُغتيل المفكر الكبير، حينما كان يهم بالخروج من مكتبه بـ«الجمعية المصرية للتنوير» القاطن بشارع أسماء فهمي بمدينة نصر، وكان بصحبته ابنه وأحد أصدقائه، اللذان أصيبا بإصابات طفيفة فيما فشلت كل محاولات الأطباء في إسعافه، ليفارق الحياة بعد ٦ ساعات من رميه بالرصاص.
مشاركة :