إيران وإسرائيل وروسيا في الوسط: تل أبيب رابع أكبر شريك تجاري لموسكو في الشرق الأوسط

  • 6/8/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لروسيا دور أساسي في المواجهة المستمرّة بين إيران وإسرائيل في سورية. ومن نافل القول إن الرأي والتحليل المقبل من موسكو، لم يعد نظرياً أو طوباوياً كما كان حتى وقت قريب، بل بات جزءاً من الأفق السياسي والعسكري في سورية والمنطقة. في لقاء مع مركز «كارنيغي للشرق الأوسط»، يشرح ألكسي خليبنيكوف، المتخصّص في قضايا الشرق الأوسط في المجلس الروسي للشؤون الدولية، السياسة الروسية حيال احتمالات الصراع بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية. كلا البلدين، إسرائيل وإيران، مهمَّان بالنسبة إلى روسيا، وبالتالي فإن موسكو تحاول دائماً تجنّب تصعيد واسع النطاق أو مواجهات عسكرية مباشرة بين بلدَيْن مقرّبَيْن منها. الأمر الثاني المهمّ الذي يجب أخذه في الاعتبار، هو أنّ مصالح هذين الطرفَيْن متناقضة، إذ يعتمد الأمن الإسرائيلي على تضاؤل الوجود الإيراني في سورية، في حين يرتبط نفوذ طهران في الشرق الأوسط بصورة وثيقة بتعزيز موقعها في سورية ولبنان، الأمر الذي يعني ضرب المصالح الإسرائيلية. هذا السياق بالذات، يترك موسكو من دون خيارات جيّدة في تعاملاتها مع الإسرائيليين والإيرانيين. فمن ناحية، يعود الفضل في نجاح روسيا في سورية إلى التعاون مع إيران، كما أنّ موسكو تحتاج إلى القوّات الإيرانية على الأرض ولا يمكنها أن تنفّر طهران، لأنّه من دونها ستصبح الأنشطة الروسية في سورية أكثر تعقيداً، هذا إذا لم تفشل كلياً. ومن ناحية أخرى، لا تريد موسكو أن تُفسد علاقاتها بإسرائيل التي تعدّ أيضاً شريكاً مهمّاً في مجالات عدّة. من الناحية الاقتصادية، تُعدّ إسرائيل رابع أكبر شريك تجاري لروسيا في المنطقة، إذ بلغ معدّل دوران رأس المال 2.5 بليون دولار أميركي في العام 2017، ما يفوق معدّل أعمالها مع إيران الذي سجّل 1.7 بليون دولار. وقد أقامت روسيا وإسرائيل تعاوناً وثيقاً وفعّالاً في المجالات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، وعندما نشرت روسيا قوّاتها العسكرية في سورية، عمدت فوراً إلى إنشاء قناة تنسيق مع إسرائيل لتجنّب أي حوادث، وهذه القناة تعمل حتى الآن في شكل لا تشوبه شائبة. وهناك عامل آخر مهمّ هو أنّ إسرائيل تعمل كقناة خلفية إضافية للاتصال بين الولايات المتحدة وروسيا، كما أنّها تفهم المخاوف الروسية في المنطقة. وفي ما يتعلق بالخلافات الروسية- الإسرائيلية، قال خليبنيكوف إن روسيا تحاول الجلوس على كرسيَّيْن في الوقت نفسه، وهو ما قد يكون صعباً، إذ عليها أن تكون على اتصال مستمرّ مع إسرائيل وإيران، بحثاً عن تسويات. في نهاية المطاف، لا يمكن لروسيا أن تسمح لإسرائيل بإطلاق مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، من شأنها أن تؤثّر سلباً على حسابات موسكو في سورية، بينما لا تستطيع إسرائيل قبول التنامي غير المحدود للنفوذ الإيراني في سورية لأنّه يهدّد أمنها القومي. كما يتعيّن على موسكو أن تأخذ في الحسبان المخاوف الأمنية المتعارضة لإسرائيل وإيران. وهذا يطرح سؤال: إلى أي مدى تبدو روسيا وإسرائيل مستعدّتين للسعي وراء تحقيق مصالحهما الوطنية الخاصة في سورية؟ حتى الآن، تمكّن الطرفان من التوصّل إلى حلّ وسط، لكن ليس هناك ما يضمن بقاء الوضع على ما هو عليه إلى الأبد. وعندما سئل خليبنيكوف عن أوجه الاختلاف بين موسكو وطهران، قال إن الدولتين لا تتفقان في الرأي حيال عدد من المسائل الأساسية، بما في ذلك مصير الرئيس بشّار الأسد، والإصلاحات السياسية لحقبة ما بعد الحرب، ودور الأكراد، والتعاون مع الولايات المتحدّة، ومدى تواجدهما العسكري وتأثيرهما في سورية بعد الحرب، وهلمّ جرا. غير أنّ روسيا وجدت نفسها في وضع لا يمكنها بموجبه السيطرة على تصرّفات إيران في سورية، خلافاً لما يعتقد كثيرون. فبينما حاولت موسكو زيادة الضغط على حلفائها لإفساح المجال أمام المزيد من التنازلات، يمكن لدمشق وطهران بسهولة تخريب أي مبادرة أو خطّة مقترحة من روسيا لا تناسب مصالحهما. وقد سبق لهما أن فعلتا ذلك في مناسبات عدّة، خصوصاً في ما يتعلّق بمناطق خفض التصعيد، والعملية السياسية في سورية. لذلك، سيكون من الصعب على موسكو التوصّل إلى اتفاق مع حلفائها، وبالتالي، سيحتاج الكرملين إلى مزيد من النفوذ لممارسة ضغط إضافي بهدف دفع العملية السياسية إلى الأمام. لقد أظهرت أحدث زيارة خاطفة للأسد لسوتشي في 17 أيّار/ مايو أنّ هذا الضغط قد يحدث بالفعل. فنتيجةً للاجتماع، وافق الأسد على إرسال ممثّلين حكوميين سوريين إلى جنيف للمشاركة في أعمال اللجنة الدستورية لصوغ الدستور السوري الجديد. وهذا تغيير مهمّ جدّاً، بعد أن كانت دمشق رفضت هذه المشاركة عقب مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد في سوتشي في وقت سابق من هذا العام. شكّل ذلك صفعة لموسكو، لكن يبدو أنّ الكرملين ضغط للحصول على ما يريد، وستواصل موسكو زيادة الضغط على الأسد. فهي تحتاج إلى تحقيق نتائج في سورية، الأمر الذي يتطلّب تنازلات من دمشق وأنقرة وإيران وروسيا نفسها. وأخيراً، عن الرسالة وراء عدم استخدام روسيا صواريخها المضادّة للطائرات ضدّ الطائرات الإسرائيلية خلال هجماتها الأخيرة على أهداف إيرانية في سورية، يرى الباحث أن إسرائيل شنت في الأشهر الأخيرة عدداً من الهجمات على مواقع سورية وإيرانية في سورية، وتعامت موسكو عنها. وكانت هذه إشارة قوية إلى الأسد بأنّ روسيا لا تستطيع ولا تريد أن تحمي جيشه إذا ما استمرّ الإيرانيون في توسيع وجودهم العسكري في سورية. كما أنّها شدّدت على أنّ روسيا تأخذ بواعث القلق الأمنية الإسرائيلية في الاعتبار. لذا، فإنّ التحرّكات الروسية تتعلّق بجعل دمشق تفهم أنّها في حاجة إلى إبقاء الإيرانيين وحلفائهم بعيداً عن الحدود مع إسرائيل، وعدم استدراج الهجمات الإسرائيلية. وفي النهاية، يُلمح الروس إلى أنّ الأسد لن يستفيد من نفوذ إيران ووجودها المفرط في سورية، لأنّ هذا لن يؤدي سوى إلى مزيد من الضغط على دمشق، ما سيجلب المزيد من المشكلات ويعقّد التوصّل إلى تسوية سياسية. الآن، من الحصافة قول ما يلي: كلّما كانت دمشق أقوى، تضاءلت الحاجة إلى وجود عسكري إيراني في سورية. ومع ذلك، السؤال الأكثر إلحاحاً هو إذا ما كانت دمشق تفهم هذا المنطق، وإذا ما كان الإيرانيون يقبلونه. شارك المقال

مشاركة :