تدخل الأزمة غير المسبوقة في الخليج بين قطر من جهة والسعودية وحلفائها في الجهة المقابلة عامها الثاني الثلاثاء، ومن بين أبرز الأسماء المرتبطة بها عضو سابق في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة. وبعدما عرف بمواقفه المؤيدة للفلسطينيين، غادر عزمي بشارة إسرائيل في 2007 خشية تعرضه لملاحقات قضائية على خلفية الاشتباه بإجرائه اتصالات مع حزب الله اللبناني خلال حرب تموز/يوليو 2006، وهو اتهام قام بنفيه. وأسس بشارة (61 عاما) المولود في مدينة الناصرة العربية، حزب التجمع الوطني الديمقراطي العربي البارز المعروف أيضا باسم “بلد”. لكنه أعاد تقديم نفسه كمفكر عربي ورئيس لمركز أبحاث بعيد مغادرته إسرائيل، حتى أصبح مقربا من دائرة القرار في قطر وأحد أبرز محركي الإعلام القطري في المنطقة. وقال ثيودور كراسيك، الخبير في شؤون الخليج، إن بشارة يلعب دورا رئيسيا في “صياغة نهج قطر في المنطقة والعالم عبر وسائل الإعلام والأبحاث”. ويترأس بشارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، بالإضافة إلى تأسيسه لصحيفة “العربي الجديد” والتليفزيون العربي، ومواقع وصحف إلكترونية أخرى. ويرى كراسيك، أن دور بشارة “مسلم به”، مشيرا إلى أنه “بالنظر إلى حدة الخلاف بين دول الخليج، وإمكان حصول قطيعة دائمة، فإن المفكر الفلسطيني سيظل يجد ملاذا آمنا في الدوحة”. راسبوتين الدوحة تعرض بشارة لانتقادات عدة بعدما اتهم في وسائل إعلام خليجية معارضة للدوحة بتغيير ولاءاته والانتقال من كونه ماركسيا اشتراكيا، إلى “داعم للإرهاب”. وتخوض قطر منذ الخامس من يونيو/حزيران 2017 نزاعا دبلوماسيا مع السعودية والبحرين والإمارات ومصر، بعدما قطعت هذه الدول علاقاتها بها على خلفية اتهامها بدعم جماعات “إرهابية” في المنطقة، كما أخذت هذه الدول على قطر تقربها من إيران، الداعم الأول لحزب الله في لبنان. وفي وسائل الإعلام الخليجية، أطلقت على بشارة ألقاب عديدة، من “راسبوتين الدوحة”، إلى “عراب الإرهاب القطري”، وحتى “عميل الموساد”، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي. وتنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في الدول المقاطعة للدوحة عبارتا “خلايا عزمي” أو “مرتزقة الدوحة”، للإشارة إلى مستخدمي وسائل التواصل ووسائل الإعلام التي تنظر إليها الدول المقاطعة على أنها متعاطفة مع قطر. ويعتبر اندرياس كريغ، الباحث في مجال الدفاع في كينغز كولدج في لندن، والمطّلع على السياسة القطرية، أن ما تكتبه وسائل الإعلام الخليجية عن دوره “تم تضخيمه بنسبة كبيرة”. ويرى أن بعض الاوصاف التي أطلقت على بشارة وحتى اتهامه بالترويج للإرهاب “لا معنى لها”، مؤكدا أن بشارة “فلسطيني مسيحي كان يحمل جواز سفر إسرائيليا، وكان اشتراكيا في الماضي لكنه غيّر آراءه السياسية مع مرور الوقت”. شخصية مثيرة للجدل ولطالما كان بشارة موضع انتقادات خليجية، حتى قبل اندلاع الأزمة العام الماضي، ويقول المناوئون للسياسة القطرية إنه مقرب بشكل كبير من مراكز صناعة القرار في الدوحة. وكانت السعودية طالبت في عام 2014 بإغلاق مركز الأبحاث الذي يديره بشارة، ومنعت كتبه. وبعد أن كان بشارة من أبرز مؤيدي نظام الأسد وحزب الله، أصبح من أشد منتقديهم في قطر، وبدأت إسرائيل في يوليو/تموز 2017 إجراءات سحب الجنسية من بشارة، وكانت قبلها رفعت عنه الحصانة البرلمانية بسبب انتقاداته لسياساتها. ويشير كريستيان اولريشسن الخبير في شؤون الخليج في معهد “بايكر” للسياسات العامة التابع لجامعة “رايس” الأمريكية، إلى أن “عزمي بشارة أصبح في الدول المقاطعة (لقطر)، رمزا لكل شيء لا يحبونه في سياسات قطر الأقليمية والخارجية على مدى العشر سنوات الماضية”. ويتفق معه اندرياس كريغ قائلا “بما أن السعودية والإمارات تعتبران أي نوع من المعارضة أو الانشقاق تهديدا للدولة، فإن السياسة الليبرالية التي يدعو اليها بشارة تتعارض مع سياسات هاتين الدولتين”. ويبدو مستقبل بشارة في الدوحة مضمونا حتى الآن، بحسب المحللين الذين يشيرون إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق قريب بين الدول المتنازعة في الخليج. ويقول كراسيك، إنه نظرا لصعوبة التوصل إلى اتفاق حاليا، فإن “المثقف الفلسطيني سيبقى في أمان في الدوحة”. ولكنه أشار إلى أنه “في حال غيرت قطر مسارها، فإن بشارة بالطبع سيلجأ إلى مكان آخر”.
مشاركة :