«تدبير المتوحد» لابن باجّه والتخلي عن حلم المدينة الفاضلة

  • 6/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ابن باجه الأندلسي فيلسوف ومنطقي وفلكي وطبيب مولود في الربع الأخير من القرن الثالث للهجرة في زمن ملوك الطوائف (443- 479هـ) الذين تنافسوا في جمع العلماء حولهم. جاء المرابطون في تلك الفترة كمنقذين لبلاد الأندلس، لكن السلطة الفعلية في البلاد كانت في أيدي الفقهاء والمقلدين، ففي الوقت الذي أصبح فكر الغزالي ونزعته المعادية للفلسفة مسيطرتين، كان ابن باجه لا يزال حدثاً يسعى وراء المعرفة ويقتنص منها ما تسمح به ظروفه في سرقسطة في ذلك الحين. جاء ابن باجه بعد الغزالي مباشرة، في فترة انتصار أهل السلف على الفلاسفة، وقبل نهوض ابن رشد. كان ابن باجه تنبأ بانهيار دولة المرابطين، وامتد به العمر ليشهد هذا الانهيار، وشهد تبخر آماله ومطامحه بعد أن فشل في إنقاذ صديقه ومولاه علي بن يوسف بن تاشفين من الوقوع تحت تأثير الفقهاء والمحدثين. وكان جوابه على قلق عصره وتقلبه أن نهض بشجاعة للدفاع عن مثله، على عكس غيره من علماء عصره الذين آثروا السلامة، وابتعدوا عن الخوض في الفلسفة. فاكتسب الأعداء أكثر من الأصدقاء، حتى أنه اغتيل عندما دس السم في طعامه، بعد أن كانت تعاليمه عكست ذلك التراجع المأسوي والهزيمة المنكرة عندما يواجه الفكر الواقع. ويرى الدكتور والأكاديمي اللبناني معن زيادة في كتابه الصادر عن «دار رؤية للنشر» في القاهرة تحت عنوان «تدبير المتوحد لابن باجه الأندلسي» أن فلسفة ابن باجه كانت محاولة لمصالحة الفلسفة مع الحياة أو ما وراء الطبيعة مع الطبيعة، كما عبرت عن قلق الفيلسوف وتأملاته في مسألة استحالة توافر الجمهورية الفاضلة في عصره. كما يصور الكتاب حياة المؤلف نفسه ويعكس صورته الذاتية كما حددها وعيه ووضوح رؤيته. وتكاد مصادر فلسفته تنحصر في تعمقه في فهم فلسفة أفلاطون وأرسطو والفارابي والإمساك بزمام أفكارهم، لكن إعجابه وتقديره لهؤلاء لم يمنعه من توجيه سهام النقد كلما دعت الحاجة، وكأنه يقول على لسان أفلاطون إن حبي لأساتذتي عظيم لكن حبي للحقيقة أعظم. وتدبير المتوحد هو إجابة ابن باجه عن فشل الفلاسفة المتوالي في ميدان السياسة العملية. ذلك الفشل الذي تمثل في ظهور النظريات البعيدة عن الواقع. والكتاب في الوقت نفسه هو محاولة شجاعة للقبول بالواقع الذي رفض الكثير من الفلاسفة قبل ابن باجه وبعده، أن يقبلوه. فالتدبير فهو خطة الإنسان العاقل في المجتمع الذي لا يسوده العقل. أما المتوحد فهو الإنسان الذي يبقى وحيداً بنفسه بعيداً من الآخرين، والمتوحد من جهة أخرى هو الله الواحد الأحد، الجوهر الذي يتصف بالوحدة من دون أن يكون له كفواً أحد. فمتوحد ابن باجه هو فيلسوف واحد، أو فلاسفة متعددون يعيشون متوحدين في إحدى المدن الأربع غير التامة وهذه المدن هي مدينة المال وهي التي ذكرها أفلاطون، والمدينة الجماعية التي عرفت عند اليونان باسم الديموقراطية، ومدينة التغلب التي تعرف باسم الديكتاتورية، والمدينة الرابعة هي الإمامية التي تشير إلى الكهنوتية أو الدينية أو مدينة رجال الدين. وكان السعداء إن أمكن وجودهم في هذه المدن، فإنما تكون لهم سعادة المفرد. فالمتوحد إنسان غير عادي ينظر حوله ليكتشف أن كل ما في محيطه غير طبيعي، ملوث وغير صحي. والسبب الرئيس في كون المدينة غير فاضلة هو أن أفعال مواطنيها لا تقوم على العقل ولا تستند إلى العقلانية. كما اهتم ابن باجه بالبعد الميتافيزيقي لنظرية الحركة، كما ساهم في صوغ قانون عام متماسك يحكم سرعة المحركات المختلفة ويعارض المبدأ الديناميكي الذي يقوم على مبدأ أرسطو للحركة» لكل متحرك محرك» وهذا المبدأ يقول إن سرعة حركة جسم من الأجسام تتوقف على معدل النسبة بين القوة والحركة ومقاومة المحيط. غلاف الكتاب شارك المقال

مشاركة :