مع ذكرى رحيل السياسي والإعلامي المغربي محمد العربي المساري الثالثة، نستعيد حفل تكريمه الذي أقامته «مؤسسة منتدى أصيلة» المغربية بالتعاون مع جامعة المعتمد بن عباد في إطار نشاطها السنوي في مدينة أصيلة برعاية الملك محمد السادس. والمساري صحافي وسياسي وديبلوماسي بارز ترأس تحرير صحيفة «العلم» المغربية كما تولى مهمات وزارة الإعلام وعمل سفيراً للمغرب في البرازيل، كما ترأس لجان تطوير أنظمة الإعلام المغربي في مجلس النواب، وساهم في وضع ميثاق الشرف الصحافي في اتحاد الصحافيين العرب، كما أصدر كتباً في تاريخ المغرب الأمر الذي جعل اتحاد المؤرخين المغاربة يمنحه العضوية الشرفية في الاتحاد. وعدّد المتحدثون في ملتقى التكريم أهم مزايا مؤلفاته ومواقفه الوطنية وتكوينه النضالي كما توقفوا عند كتابه المهم في التاريخ المغربي المعاصر المعنون «محمد الخامس من سلطان إلى ملك». من المتحدثين محمد بن عيسى والمؤرخ المغاربي المعروف عبد الكريم غلاب ومبارك ربيع الروائي وأستاذ الفلسفة وعلم النفس في جامعة الرباط وسعيد بن سعيد العلوي ولطيفة أخرباش وأحمد حلواني الإعلامي والأستاذ الجامعي السوري وأحمد المديني الروائي والأديب المغربي ومحمد أوجار وزير حقوق الإنسان السابق ويونس مجاهد وعثمان المنصوري الأمين العام للجامعة المغربية للأبحاث التاريخية ومحمد الأشعري وزير الثقافة السابق وعبدالله ساعف أستاذ العلوم السياسية والاقتصادية، ومن البرازيل جواد باتيستا فاركانس أستاذ اللغة والحضارة العربية والحائز جائزة اليونسكو. يقول إبراهيم السولامي عن الكتاب إن المؤلف اعتمد في كتابه على المنهج التوثيقي وهي مدرسة تدعم البحث بالوثائق وقد عُرفت هذه المدرسة عبر أساتذة مؤرخين مرموقين منهم جيرمان عياش وأحمد التوفيق وزكي مبارك، لذلك حفل الكتاب بالاعتماد على المذكرات الشخصية والنشرات الحزبية والمقالات الصحافية والقرارات الدولية وكلّها تُبرز تفاصيل الأحداث مستعرضة أحوال المغرب تحت النير الاستعماري وما آلت إليه أحواله من ظلم وما أثاره من مقاومة وتحدٍ بغية الانعتاق واسترداد الكرامة، ثم يسرد المؤلف قصة نفي محمد الخامس يوم الخميس 20 آب(أغسطس) 1953 بقيادة الجنرال الفرنسي غبيوم ونقله بالطائرة الحربية إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية مع اجراء فرنسي عجائبي في تحميل محمد الخامس مصاريف إقامته وأسرته في سجن المنفى. ويسجّل المساري شهادة للكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك تقول: «محمد الخامس مَلَكَ من السلطة والنفوذ وهو في منفاه مالم يملك أي سلطان آخر»، ويتوسع في الحديث في المقاومة السياسية والمسلحة في أعقاب نفي محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفه مكانه، وعن لجوء رجال المقاومة إلى الشمال الذي كان يخضع للنفوذ الإسباني مبيّناً أسباب اندفاع المقاومة الشعبية إلى ما يلي: 1 – الهزيمة التي لحقت بفرنسا في ديان بيان فو في الهند الصينية. 2 – بدء تفاوض فرنسا لأنهاء نظام الوصاية في تونس وهو نظام مماثل لنظام الحماية في المغرب. 3 – بداية ثورة التحرير الجزائرية في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 1954 ما يوحّد الأهداف في المغرب العربي عموماً على تصفية الاستعمار في هذه المنطقة. 4 – العلاقة غير الودية بين فرنسا وإسبانيا الجنرال فرانكو. ويتحدث العربي المساري عن النضال السياسي فيصفه بالنضال الشاق أيضاً لأنه واجه مناورات مع المستعمرين والخونة إضافة إلى متاعب كبيرة في أروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية المختلفة مركزاً على أن النضال المغربي امتدّ من شماله إلى جنوبه الصحراوي، ويجمل مبدأ كل المفاوضات في كلمتين دالتين على عمق الوعي الوطني وهي «إلى عرشه». فقد كانت المطالبة بإرجاع محمد الخامس إلى عرشه هي المبدأ الأساسي في المفاوضات التي انتهت باعتراف الفرنسين باستقلال المغرب. والخلاصة أن كتاب «محمد الخامس من سلطان إلى ملك» يعدّ وثيقة تاريخية تجمع بين حسّ السياسي المتمرسّ والإعلامي المدرك لوسائل إيصال المعلومات والموقف إلى القارئ من دون تشنّج أو افتعال. وكتابه هذا ينضم إلى مؤلفات آخرى منها معركتنا العربية ضد الاستعمار وجدل حول العرب وصباح الخير أيتها الديموقراطية وإسلاميات أدباء المهجر، وثلاثين سنة مسيرة 2005 والخطابي من القبيلة الوطن إضافة إلى مؤلفات أخرى بالبرتغالية والإسبانية وكلها تدلل على أن العربي المساري حارس أمين يدافع عن غرة بلاده ووحدة أراضيها وانتمائها العربي بخبرة المثقف المؤمن بالحوار الواثق من آفاق المستقبل. شارك المقال
مشاركة :