استراتيجية العزم ملامح سعودية إماراتية شكلت في سياقاتها التاريخية والاجتماعية المنظومة الثقافية المعاصرة والتي عززت مبدأ الشراكة الإنسانية بمجمل محاورها الرئيسية بكل إرثها وتراثها هذا الاتجاه يقودنا إلى بعد مهم للقراءة في انعكاسات ومستقبل ما يتعلق في إبراز الموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي المشترك بين البلدين والذي تم إقراره خلال انعقاد الاجتماع الأول لمجلـس التنسيق السعودي - الإماراتي برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي شهد إبرام 20 مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل السعودي الإماراتي في عدة مجالات مختلفة. "الرياض" استقطبت لقراءة ملامح هذه الاستراتيجية ومستقبلها وتأثيراتها عبر عدة وجوه ذات ثقل ثقافي، معرفي، فكري، وتراثي من الجانبين السعــودي - الإماراتـي وإظهار الجوانب الأصيلة المشتركة والتي أسست على الانفتاح والتواصل والتنوير. بداية يؤكد الأمين العام لمركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية د. عبدالله الوشمي أنّ المشترك الثقافي والاجتماعي بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يمثل قاسماً كبيراً لا يختصر بكلمة أو بمقالة عابرة ولكنه إطار واسع يضم نسيجاً متنوعاً من العادات واللهجات والتقاليد والثقافات المختلفة التي تتجلى في البلدين بصور متقاربة ومتشابهة وجرى في الأعوام السابقة تنميتها في طرق فردية واجتهادات مؤسساتية وعندما تأتي هذه الاتفاقية لتنقل مستوى المشترك الثقافي والاجتماعي من إطاره الأول إلى الإطار الأعمق الذي ترعاه قيادات الدولتين فإننا ننتظر في القادم القريب بإذن الله شراكات نوعية بين المؤسسات الثقافية والاجتماعية المشتغلة على المجال ذاته وذلك يصبح تتويجاً للمسيرة وإطلاقاً لمبادرات أكبر وأعرق في القادم القريب بإذن الله عندما نستظهر بعض النماذج فسوف تحضر اللغة واللهجة وطريقة الأداء الصوتي بوصفها محوراً من محاور التقارب الكبير والمشترك الذي يصنعه الشعبان بطريقة متناغمة كما نتذكر الإطار الإبداعي حيث نجد تداخلات كبيرة بين المخيلة والأداء والصور وطريقة التعبير عن الأفكار إضافة إلى الموروث الكبير الذي يتجلى في الفلكلور والعادات والتقاليد والأهازيج الشعبية مما يشير إلى أهمية الرصد التوثيقي للتقاليد والعادات المشتركة ومحاولة معرفة مواطن النمو والتأثر والتأثير وهنا أستذكر بعمق وجود وشائج قديمة على مستوى التواصل بين الشعبين تمثلت بالزيارات المتبادلة واللقاءات العلمية العميقة التي جاءت في السياق الثقافي والديني وكانت ناتجة من الغطاء السياسي الذي دعمته قيادات الدولتين قديماً وجاءت الاتفاقية الأخيرة بمثابة النقلة الكبيرة في طبيعة العلاقة بين الشعبين حفظ الله القيادتين وسدد الرؤى ودعوة صادقة لجميع المؤسسات المعنية بهذا القطاع للمبادرة السريعة لوضع الخطط وبرامج العمل المشتركة وقواعد البيانات والانطلاق لتحقيق آفاق هذا البرنامج المشترك. أما د. صالح بن حمد السحيباني الملحق الثقافي السعودي السابق في دولة الإمارات العربية المتحدة عن انعكاسات هذا القرار على المجتمع الثقافي في البلدين حيث قال: أولاً حري بي أن أشيد بأن المشهد الثقافي السعودي الإماراتي بالرغم من أنهما مشهدان ضاربة جذورهما في القدم بأصالته وامتداده إلا أنه متنامٍ ومتطور في الوقت ذاته ويأتي أيضاً من رغبة القيادتين الكريمتين في البلدين الكريمين في الرقي بهذا المشهد وتنميته والارتقاء به بما يتماشى مع معطيات العصر من هنا تأتي هذه الاتفاقية لتدعم هذا التوجه ويجب أن نذكر بأن المشهدين حافلان بالتنوع والثراء إلى جانب أن المشهد الثقافي الإماراتي والسعودي أيضاً فيه ينابيع ثرة وآبار لا تنفد من العطاء والموروث الحضاري والاتفاقيات التي وقعت مؤخراً وبخاصة ما يخص الجانب الثقافي وانعكاس تلك الاتفاقيات على الشعبين هو في الواقع تأكيد وإعادة لرسم ملامح المشهد الثقافيين السعودي والإماراتي بكثير من التعزيز والتنمية والتطوير لأنه شهدت بالواقع بعض مسارات هذا المشهد تحولات نوعية في الآونة الأخيرة تدعمها روافد متنوعة ما تزال تحتفظ بعبق التاريخ وببريق الحاضر الزاهر إن شاء الله ونرى صورة هذا التكامل في معارض الكتاب الدولية في البلدين والمهرجانات الوطنية التي تقام في البلدين وكيفية الحظوة التي يحظى بها هذا البلد أو ذاك من قبل هذا البلد أو ذاك وهذا يؤكد حقيقة توجه القيادتين الكريمتين نحو تعزيز هذا المشهد الثقافي بين البلدين ويعزز هذا التوجه أعتقد بأنه يجب أن أذكر بأن العديد من المثقفين العرب يضبطون بوصلتهم وفقاً لأجندة للفعاليات الثقافية الثرية التي تقام في البلدين سواء المملكة أو في الإمارات ذلك لأن المشهد الثقافي الإماراتي إذا ذهبنا إليه لم يلعب دور الحاضن فقط كما يظن بل حقق قفزات نوعية جعلته يتكئ على عباءته المحلية وينطلق بها بكل ثقة نحو المنطقة العربية والعالم كما أن المشهد السعودي في المقابل وما يحمله من إرث حضاري زاهر وفعاليات نوعية مشرفة ضارب أيضاً في جذور التاريخ وعميق بتراثه وأصالته في المقابل انفتاحه على الثقافات الأخرى ومن هنا يأتي في ظل هذا التكامل وهذا الحرص نحو الانفتاح على العالم. ويضيف: تجمع البلدين حضارة متشابهة ومتقاربة تاريخياً وتكرس شراكة ثقافية بينهما وتجسد حرص القيادتين الرشيدتين. فيما عبّرت نادية عبدالوهاب خوندنة -محاضر أدب انجليزي بجامعة أم القرى (سابقاً)، باحثة أدبية ومترجمة- عن سعادتها بأخبار توقيع استراتيجية العزم بين البلدين عادّة إياها خطوة خيرّة في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل وأضافت: المحور البشري هو من الأساسيات المهمة لاستراتيجية العزم، وكذلك كون احدى الاتفاقيات ترتكز على ابراز الموروث الاجتماعي والثقافي والتاريخي بين الشعبين السعودي والإماراتي اللذين تربطهما علاقة تاريخية عريقة تمتد جذورها العميقة منذ حوالي نصف قرن من الزمان، منذ عهد المغفور لهما جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود والشيخ زايد آل نهيان -رحمهما الله- وازدادت هذه العلاقة متانة وأصالة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. فالمتوقع والمأمول أن يؤدي تفعيل بنود هذا الاتفاق المبارك إلى العديد من المشاريع الأكاديمية والتربوية والثقافية والأدبية المشتركة مما سيزيد أوجه التعاون بين الأدباء والمثقفين في البلدين وكذلك الاستفادة من الثروة الحقيقية للبلدين وهي سواعد وعقول الشباب من الجنسين (وهي أحد الأهداف الطموحة لرؤية 2030) في تجسيد هذه المشاريع المستقبلية على أرض الواقع وبذلك ستزداد فرص العمل المتاحة للشباب وبالتالي ترتفع نسبة توطين الوظائف في البلدين. وبما أن البلدين الشقيقين حريصان على الوسطية والاعتدال وتقديم الصورة الحقيقية للإسلام للعالم فسيعملان معاً بتكامل العوامل المشتركة بين مكونات الهوية الإسلامية والخليجية المشتركة بينهما على إقامة جسور التواصل الثقافي والأدبي مع دول العالم برقيٍ وإبداع. رئيس معهد الشارقة للتراث د. عبدالعزيز المسلم يرى أن هذا القرار جاء بجملة انعكاسات إيجابية كبيرة جداً على الدولتين وعلى الشعبين أولاً بحكم أن الشعبين الإماراتي والسعودي متمكنان بتراثهم الحضاري والثقافي ولديهما اعتزاز كبير به ولديهم مجموعة من المؤسسات في الدولتين التي ترعى التراث الثقافي والحضاري مما سيدفع عجلة البحوث والدراسات والصون والحفاظ على هذا التراث وسيدفع بالنهوض لجعل هذا التراث من روائع التراث الإنساني، أيضاً على الصعيد الشخصي للباحثين والمهتمين سيكون لهم هذا القرار داعم نفسي ومادي للمضي قدماً نحو أبحاثهم ودراساتهم ومشاريعهم في مجال التراث، الآن يجب أن تكون هناك اتفاقيات جانبية مشتركة ومذكرات تفاهم متوائمة لتوحيد بعض الجهود في المجالات المتشابهة وأتمنى أن يكون هناك سهولة في تنقل الباحثين والخبراء والدارسين بين الدولتين فيما يخص هذا المجال بالذات، لافتاً إلى أن هناك مشتركات كثيرة بين السعودية والإمارات حتى الحضارات التي مرت على هاتين الدولتين كما نعرف الحضارات القديمة مثل الخط العربي المسند الجنوبي وحضارة العصور القديمة الهلنستية البرونزي والعصر الحجري والحديدي هناك الكثير من المشتركات بين هذه الحضارات بين الدولتين بالإمكان إنجاز متاحف مشتركة ومنها متاحف ميدانية ومتاحف متنقلة ليتمكن سكان الدولتين من الاطلاع على هذا التراث الحضاري المشترك كما في إيطاليا هناك معرض للتراث الساموراي التراث الياباني وهو سيبقى في مدينة تورينو لمدة ستة أشهر ثم ينتقل إلى مدن أخرى عالمية وكذلك معرض يسمى "معرض الماء" قد ينتقل هذا المعرض إلى مدينة الشارقة على غرار ذلك يمكن نقل الكثير من المعارض بين الدولتين الإمارات والمملكة العربية السعودية التي ترتقي لدرجة المتاحف وبذلك يمكن أن تهيئ هذه المعارض فرصة للتعليم والتثقيف وحتى بالإمكان أن تفتح مجال التوظيف لأعمال مرتبطة بهذه المتاحف المتنقلة. وإزاء الحديث في دائرة هذه الاستراتيجية وبنودها العشرون جاء الكاتب الإماراتي حارب الظاهري ليعمق في إجابته حول صعيدها الثقافي قائلاً: بناء هذه الاستراتيجية جاء بوقته ما بين بلدين أنشودتهم الأمل دائماً في خلق كيان عربي موحد وليكن هذا العمل نواة لعمل عربي مشترك وليكن حالة من التنوير الثقافي والاقتصادي القادم، وفي خضم هذا الشتات العربي نرى جزئية جميلة ترسم الأمل، لذلك كل الأنظار توحي على أي بارقة أمل تهدي الوطن العربي السلام والوئام، لذلك هذا الوطن نفسه يرى في صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يرى فيهما القيادة المثلى في صياغة وصناعة العهد الجديد للأمة العربية لذا هذا الاتفاق يمثل العمق الاستراتيجي للبلدين الإمارات والسعودية ويمثل للأمة ككل الأمل. وكان من الطبيعي أن يحدث هذا الاتفاق ما بين بلدين جارين، ولديهما علاقات مشتركة منذ القدم، ولديهما تاريخ عريق ومورث ثقافي جميل، يمثل الصورة المثلى للعلاقة ويمثل البدء في التجديد ويرسم الحضارة من منطلق البدء وإذا كانت كل العلاقات الثقافية والإنسانية وأيضاً الاقتصادية تتجه إلى دول بعيدة عن الذاكرة وبعيدة عن أصالة الموروث فأن هذه الاستراتيجية هي الدافع الحقيقي إلى الاقتران وتعزيز الحياة برسالة إنسانية ما بين شعبين تتلاحم فيهما الروح، وإذا كانت العلاقات الدولية للبلدين مع دول في الشرق والغرب جسدت الكثير من المفاهيم وأعطت نفساً ديبلوماسياً ومتنت العلاقات الثقافية والاقتصادية فان العلاقات الثنائية ما بين الدولتين هي احوج في هذا الزمن ليراها العالم بوضوح وتقوم على تجسيد التلاحم المتين والفطين وتقدم بناء ذا رؤية شاملة للمستقبل وما يعني بأن الرؤية الحقيقية هي القوة ليس في العلاقات فقط وإنما في إبرازها كمقوم من المقومات أمام الأخطار التي تواجهها الدولتان بل والتغلب عليها بروح واحدة ولست بروح ثنائية وإلى الآن الدولتان تشكلان قوة على أرض الواقع. أما الكاتبة أسماء الزرعوني التي شغلت منصب نائب رئيس اتحاد كتاب الإمارات ولها إسهامات كبيرة في المشهد الثقافي الإماراتي والخليجي فتقول: علاقتنا بالسعودية علاقة دين ولغة ونسب ودم واستراتيجية الحزم لم تأت من فراغ بل أتت لتثبت للجميع أننا شعب واحد تجمعنا أشياء كثيرة على رأسها وحدة المصير فنحن لا نتجزأ عن السعودية وإذا رجعنا إلى التاريخ فهو يثبت هذا أيضاً وخاصة النسب المشترك بين المجتمع السعودي والإماراتي منذ القدم وأنا كمثقفة إماراتية سعدت بالبند الثقافي والمورث الاجتماعي فثقافتنا مشتركة من خلال وجودي في الساحة الثقافية وجدت أننا نشترك في الثقافة والمورث وخاصة من خلال مشاركتنا في الأنشطة الثقافية إن كانت في الإمارات أو السعودية من خلال تجربتي ورئاستي لملتقى الإمارات للإبداع الخليجي وطرحنا سنوياً محاور ثقافية في مجال القصة والرواية والشعر لا تختلف المواضيع الأدبية عن كتاب الإمارات وحتى الفنون الشعبية وغيره جاءت بالشيء ذاته وكان الاختلاف في بعض التسميات فقط. د. يوسف الحسن الكاتب والمفكر والدبلوماسي الإماراتي السابق يذكر لنا: ما تم في اجتماع مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، يثلج الصدر ويفرح شعبي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ويؤسس لمستقبل أفضل، لصالح البلدين من خلال رؤية مشتركة وإرادة صلبة لبناء أنموذج تكاملي استثنائي في شتى المجالات التنموية والسياسية والثقافية والعلمية والتعليمية والاقتصادية والعسكرية. هذه المرحلة هي الأكثر قوة وحيوية ووضوحاً في العلاقات السعودية الإماراتية، اجتمعت فيها الرؤية والإرادة والعزم على إحداث فرق في تاريخ منطقة الخليج والجزيرة العربية لصالح الناس ورفاههم وأمنهم وتوسيع خياراتهم ومواجهة كافة التحديات من خوف وإرهاب وتعصب وتزمت وانغلاق وإقصاء وتخلف عن ركب الإبداع والابتكار والإنتاج والحكومة الرشيدة والحضارة الإنسانية، ولا شك في أن تنفيذ هذه الخطة الاستراتيجية التكاملية، خلال السنوات الأربع القادمة يتطلب عملاً مشتركاً دؤوباً، رسمياً ومجتمعياً في آن وللثقافة دور أساسي في تعزيز وترسيخ ودعم هذا المشروع الطموح، وقد شملت الخطة الاستراتيجية، محور الثقافة بكافة حقولها باعتبار الثقافة ذات علاقة تبادلية مع التنمية والتكامل المنشودين إضافة إلى كونها نمط عيش مشترك وأنشطة روحية ومعرفية وفنية وجمالية، وطرق تفكير وسلوك وتعبير ومن خلال ذلك تتشكل الهوية الثقافية لهذا النموذج التكاملي السعودي الإماراتي، ولعلها أيضاً تصبح قوة للبقاء، ومن خلال الأنشطة الثقافية المشتركة يحدث التفاعل الثقافي الإنساني، الذي من خلاله يمكن تجديد وتطوير الثقافة، وزيادة غناها، ومن المؤكد أن المبادرات الثقافية والتي وردت في المحور المعرفي والتراث الوطني والتعليم والشباب والبحوث والابتكار ستسهم في بناء منظومة ثقافية تكاملية فعالة في المجتمعين السعودي والإماراتي وتأسيس صناعة ثقافية مشتركة وفتح أبواب المعرفة والأساليب الفنية والجمالية وتعميم تذوقها في المدن والقرى النائية، إنها فرصة هائلة للتغيير إلى الأفضل من خلال تعزيز إرادة التكامل والإيمان الشعبي بفوائد هذا التكامل، وبهذا التجديد والتطوير لاقتحام المستقبل، تجمعنا مع الأشقاء في المملكة، علاقات استراتيجية ومصير مشترك ورؤية بعيدة النظر مدركة لمخاطر التحديات الراهنة. د. الوشمي: انتقال إلى إطار أعمق ترعاه قيادات الدولتين د. السحيباني: ينابيع ثرة من العطاء والموروث الحضاري خوندنة: زيادة فرص العمل للشباب وتوطين الوظائف د. المسلم: متاحف ميدانية مشتركة للتعريف بتراث الدولتين الظاهري: أنشودة أمل لخلق كيان عربي موحد الزرعوني: يجمعنا وحدة المصير والتاريخ
مشاركة :