في العام 2016، قدّمت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سورية، نفسها في صورة جديدة عبر تغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام (بعد دخولها في ائتلاف مع عدد من المجموعات)، معلنةً تباعدها عن القاعدة. وقد أثار ذلك نفور المتشدّدين في الجبهة، ومعظمهم من المقاتلين الأجانب. قبل بضعة أشهر، أنشأ هؤلاء المقاتلون تنظيمهم الخاص تحت اسم تنظيم حراس الدين الذي حافظ على ولائه لزعيم القاعدة أيمن الظواهري، ويقف الآن على شفير الدخول في مواجهة شاملة مع هيئة تحرير الشام. التحق عدد من الجهاديين ذوي التاريخ الطويل من القتال إلى جانب تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى العراق، بصفوف التنظيم الجديد، وأبرزهم زعيم تنظيم حراس الدين، السوري سمير حجازي، المعروف بأبي همام الشامي. ويضم التنظيم أيضاً عدداً كبيراً من الأردنيين، بينهم أياد الطوباسي، المعروف بأبي جليبيب طوباس، وسامي العريدي، وخالد العاروري المعروف بأبي القسّام. وفي حين شدّد تنظيم حراس الدين في بيانه الأول، في آذار(مارس)، على ولائه ومبايعته تنظيم القاعدة، دعا إلى وقف القتال الدائر في إدلب وريف حلب بين هيئة تحرير الشام وائتلاف آخر من المجموعات المحلية يُعرَف بجبهة تحرير سورية. فقد أكّد أن من الضروري، بدلاً من ذلك، العمل على إنقاذ الغوطة الشرقية المحاصَرة. لكن منذ ذلك الوقت، سلك خطاب التنظيم ضد هيئة تحرير الشام منحى تصاعدياً. تتقيّد هيئة تحرير الشام، التي تستمدّ على الأرجح الدروس من تجربة تنظيمَي داعش والقاعدة، بالمنظومة الإقليمية، وتحترم مناطق نزع التصعيد مع النظام السوري، وتحصر نشاطها بالأراضي السورية. أخيراً، أشارت تقارير إلى أنها تفكّر ربما في حلّ نفسها، كي تتيح لأعضائها الانضمام إلى جيش موحّد في الشمال في المناطق الخاضعة حالياً إلى السيطرة التركية. أما تنظيم حراس الدين، مع نواته الجهادية الأجنبية وانتمائه الصريح إلى القاعدة، فيعكس، في منشوراته، بروباغندا تنظيم القاعدة العابر للأوطان، ويتطلّع لتوسيع نشاطه إلى خارج سورية. وقد استهدفت عملياته التفاهم التركي- الروسي. فعلى سبيل المثال، هاجم تنظيم حراس الدين، الأسبوع الماضي، مواقع تابعة للنظام السوري في محافظة اللاذقية، ماتسبّب بإطلاق عملية قصف جوي في منطقة كانت تنعم بالهدوء بفضل تفاهم روسي- تركي. أدّت سلسلة من الاغتيالات الغامضة إلى استفحال التشنجات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام. وألقى عدد كبير من الأشخاص باللائمة على الخلايا النائمة التابعة لحراس الدين. واستهدفت الاغتيالات كوادر ومقاتلين في هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، التنظيم الجهادي الأويغوري. لقد ابتعد الحزب الإسلامي التركستاني عن حياده في موضوع الاقتتال بين فرقاء المعارضة في إدلب، عبر الانضمام إلى هيئة تحرير الشام في حربها ضد جبهة تحرير سورية، ويبدو أن مقاتليه يدفعون الثمن الآن. تبدو هذه الهجمات متوائمة مع هيكلية تنظيم حراس الدين. فعلى رغم اندماجه مع مجموعات أقل شهرة، ولاسيما مع فروع منبثقة من هيئة تحرير الشام أعلنت مبايعتها تنظيم القاعدة، إلا أن عدد عناصره يتراوح من بضع مئات إلى نحو ألفَي مقاتل، وهو عدد منخفض مقارنة بهيئة تحرير الشام وميليشيات أخرى في شمال سورية. غير أن الخلايا النائمة التابعة لحراس الدين وتكتيكاته في شنّ حرب عصابات، مثل الاغتيالات على الدراجات النارية والتفجير بواسطة سيارات مفخخة، تتيح له تأدية دور مُزعزِع للاستقرار، ما يساهم في تعزيز قوّته. يشكّل المقاتلون المتمرّسون في تنظيم حراس الدين مصدراً إضافياً لقوته. فإلى جانب قدامى المحاربين الذين شاركوا في الحروب في أفغانستان والعراق، يستقطب حراس الدين الآن مقاتلين منتمين إلى تنظيم داعش من إدلب ودير الزور. ويتمتّع هؤلاء المجنّدون بمهارات كبيرة في الحرب، وعلى الأرجح في جمع المعلومات الاستخبارية. وقد ساهمت تجارب التنظيم في أفغانستان، في تعزيز روابطه مع قيادة القاعدة المركزية، فضلاً عن شبكة من الولاءات والعلاقات الشخصية ضمن أقسام أخرى من التنظيم. كذلك ساهم قاسم مشترك آخر، والمقصود بذلك التجارب المشتركة في إيران، في بناء شبكة من الروابط بين قادة تنظيم حراس الدين وقيادة القاعدة المركزية، ولاسيما نجمها الصاعد، حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن والوريث المحتمل للظواهري. كان الطوباسي والعاروري مسجونَين في إيران، إلى جانب قياديين في القاعدة مثل حمزة بن لادن ومحمد صلاح الدين زيدان (سيف العدل). وقد جرى الإفراج عنهم جميعاً في صفقة تبادل غامضة في العام 2015 بين إيران والقاعدة. هذا فضلاً عن أن مرشد سمير حجازي كان عطية الله الليبي، الذي كان في مرحلة معيّنة مبعوث أسامة بن لادن في إيران، ولقي مصرعه في هجوم بطائرة من دون طيار في باكستان في آب(أغسطس) 2011. ترتدي هذه العلاقات أهمية في تعزيز تماسك تنظيم حراس الدين، وربما دوره المستقبلي داخل سورية وخارجها. إذا كان حمزة بن لادن يتّجه ليصبح زعيم القاعدة العتيد، سيكون للأشخاص الذين تشاركوا معه التجارب نفسها دورٌ مهم في التنظيم الذي يقوده، وعددٌ منهم ينضوي في صفوف تنظيم حراس الدين الذي تتسبّب أجندته، منذ الآن، بزعزعة الوضع القائم في شمال سورية، ما يولّد مزيداً من الإحراج لهيئة تحرير الشام، ويشجّع مقاتليها على الانشقاق والالتحاق بصفوف تنظيم حراس الدين. وحده الوقت كفيلٌ بأن يكشف ما هو الدور الذي سيؤدّيه حراس الدين في مستقبل القاعدة، فيما يسعى التنظيم العابر للأوطان إلى إعادة ابتكار نفسه. * هذا المقال جزء من سلسلة برنامج الإسلام السياسي في مركز «كارنيغي للشرق الأوسط» في بيروت
مشاركة :