صحوة "النزاهة" المتأخرة في العراق

  • 6/10/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بصورة مفاجئة يتحول البرلمان العراقي إلى ساحة خطابات ضد التزوير في الانتخابات الأخيرة، وكأنه حالة شاذة في البلد الذي قامت ركائزه منذ عام 2003 على التزوير والفساد في جميع مظاهر العملية السياسية ومنظوماتها الحزبية والرسمية. كانت ضربة العراقيين للفعالية الانتخابية صادمة في المقاطعة بنسبة تصل إلى 75 بالمئة وهذا يعني أن الشعب سبق المحتجين من البرلمانيين الفاشلين بالانتخابات والذين وصل عددهم إلى 232 من أعضاء البرلمان الحالي البالغ عددهم 329 نائبا بينهم رئيس البرلمان ونائباه وهم جميعا يقودون حملة إسقاط النتائج داخل البرلمان. وقد استطاعوا منذ أكثر من أسبوعين تنظيم جلسات مفتوحة كان هدفها تعديل نتائج فشلهم وصعود آخرين بدلا عنهم يعتقدون بأنهم أزاحوهم وفازوا بتلك المقاعد. كانت نهاية تلك الحملة المنظمة التي ساندها قبل عدة أيام رئيس الوزراء حيدر العبادي وقائمته الفائزة بـ43 مقعدا بتشكيل لجنة أمنية ورقابية عليا قدمت توصياتها المثيرة إلى مجلس الوزراء، حيث شخصت بالأدلة وجود تزوير منظم في الأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى عمليات غش وتلاعب بالأصوات من قبل مجالس المحافظات لمفوضية الانتخابات في محافظات النازحين وفي بعض مناطق كردستان والخارج. كانت هذه التوصيات التي أحيلت بسرعة إلى مجلس النواب هي القاعدة القوية التي استند إليها أصحاب انتفاضة “الفاشلين” في المجلس لتعطيل المادة الخاصة بالعدّ الإلكتروني واستبدالها بالعد اليدوي، وتجميد عمل مجلس المفوضين الحالي وتنصيب قضاة بدلا عنهم ينتدبهم مجلس القضاء الأعلى لإتمام إعادة عمليات الفرز اليدوي بنسبة تصل إلى 25 بالمئة وفي جميع أنحاء العراق وإلغاء انتخابات الخارج والانتخابات الخاصة، علما بأن مجلس النواب بأعضائه الثائرين هم الذين صادقوا على تعيين أعضاء مجلس المفوضين قبيل الانتخابات وبترشيحات من الأحزاب النافذة، والجميع يعلم أن هؤلاء كانوا منذ عام 2006 أدوات لتمرير رغبات قادة تلك الأحزاب في إعادة تدوير فوزهم وحاشيتهم ومريديهم. لقد كانت جلسة مجلس النواب بتاريخ 6 يونيو الحالي تظاهرة فرح غمرت نفوس أولئك الأعضاء الحاضرين للجلسة (175) وهتافاتهم باحتمالية عودة بضاعتهم التي ضاعت، معتبرين قراراتها بأنها “أعادت للعراق هيبته ومكانته اللائقة بين الأمم، بعد أن خربته نتائج الانتخابات الأخيرة”. معركة طويلة ذات سياقات قانونية تنتظر القرار البرلماني الأخير من بينها مصادقة رئيس الجمهورية على التشريع وهو الذي أثار ملاحظات سلبية على الحملة البرلمانية وجهها إلى المحكمة الاتحادية صاحبة القرار النهائي في حسم هذا الجدل الذي أصاب قلب العملية الانتخابية كانت ردود فعل الكتل السياسية الفائزة متباينة من بينها الأكثر صراحة موقف كتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر (45 مقعدا) التي وجدت قرار مجلس النواب الأخير مخالفا للقانون. وطبيعي أن تتخوف هذه الكتلة من احتمالات تغيير نتيجتها الأولى وهو ما أغاض كثرا وفي مقدمتهم كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي. هناك معركة طويلة ذات سياقات قانونية تنتظر القرار البرلماني الأخير من بينها مصادقة رئيس الجمهورية على التشريع وهو الذي أثار ملاحظات سلبية على الحملة البرلمانية ووجهها إلى المحكمة الاتحادية صاحبة القرار النهائي في حسم هذا الجدل الذي أصاب قلب العملية الانتخابية والحكومة المقبلة التي اعتادت الانتظار لشهور قبل أن تشهد النور. إن الخلل في حملة الدعوة إلى النزاهة في الانتخابات ليس من حيث موضوعيتها وضرورتها في إزاحة الحصانات السابقة عن المزورين، لكن لأن غالبية حاملي الدعوة في تعطيل العملية الانتخابية هم من الذين كانت تحوم حولهم شكوك عدم النزاهة، لكن البعض الآخر لا يشك بدعواتهم لإعادة الاعتبار لواحد من أعمدة العملية السياسية رغم أن المشكلة كبيرة ولا تتعلق بهذه الجزئية البسيطة من العملية السياسية، ولو تيسير لمنصفين ومخلصين لبلدهم العراق، وفتحوا أي مرفق آخر من مرافقها لوجدوا العجائب. لا شك أن من حق الخاسرين كأفراد التقدم بطعونهم وفق سياقات مفوضية الانتخابات القانونية والمراجع العليا الأخرى في السلطة القضائية (مجلس القضاء والمحكمة العليا) والتي ارتبكت صلاحياتها الآن، بعد أن تحولت جملة البرلمانيين إلى قرار من مجلس النواب يطعن بمجمل العملية الانتخابية، ولعل التوقيت لم يعد يتعلق بمصير الاعتراضات الفردية قضائيا وإنما أصبح التشابك يمس العلاقة التي اهتزت بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية. ومن المحتمل أن تتعطل تلك التوقيات الدستورية إلى حين انتهاء عمر البرلمان في الثلاثين من يونيو الحالي وبذلك تتحول الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين اتخاذ المحكمة الاتحادية قرارها النهائي في وقت ينتظر فيه الجمهور العراقي متى يخرج الدخان الأبيض من غرفة المشاورات النهائية لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان وتشكيل الحكومة المقبلة. ولعل أي مراقب يتساءل هل فعلا أن الدعوة لنزاهة الانتخابات قد استيقظت فجأة في هذه الدورة الانتخابية، وهي لم تدخل أبواب الانتخابات يوما في العراق. وغالبية من سقطوا فيها هم ليسوا من أصحاب النزاهة وعدم الفساد، أليست عمليات التزوير كانت صفة الانتخابات السابقة والفائزون فيها هم أنفسهم الخاسرون اليوم. وكان الرأي العام الشعبي العراقي يتحدث عن عمليات التزوير ولا يلتفت إليه أحد، فلماذا اليوم؟ قبيل الانتخابات، طالب الكثير من القوى السنية بتأجيل الموعد إلى حين تعديل ظروف النازحين في المحافظات، وقوبلت تلك الدعوات بالتشكيك السياسي ووصفت بأنها تدخل في إطار المحافظة على مواقع بعض الزعامات في تلك الحافظات، وما حصل فعليا هو تغيير جزئي لبعض الأفراد داخل الكتل وكذلك في تسلسل مواقع الكتل نفسها. إنها صرخة الفاشلين، وهم غالبية أعضاء البرلمان الحالي الذي اتخذ قرارات رفض العملية الانتخابية، لكنها صرخة ستؤدي من دون شك إلى كشف بعض المتلاعبين الذين تمتعوا سابقا بالأغطية السياسية التي انكشفت الآن. لكن الخطورة في هذه العملية هي أن تعيد غالبية الفاسدين المحتجين على نتائج اليوم إلى التمتع بالفوز مجددا عبر عمليات لن تكون بعيدة عن اللعب أيضا، فساحة العراق الانتخابية وغير الانتخابية يسودها الغش والكذب على الناس.

مشاركة :