تقيم روسيا بدقة نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، ووصف وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، الانتخابات العراقية الأخيرة بأنها «لحظة فارقة فى مسيرة العراق نحو الاستقرار». وفى بيان رسمي، أعلن عن استمرار التعاون بين الجانب العراقى والجانب الروسي، بحسب صحيفة «شرق» الإيرانية، وتلقى الصحيفة الضوء على السياسات التى من الممكن أن يتبعها التيار الصدرى تجاه موسكو بعد تولّى الحكومة العراقية المقبلة.وتشير إلى أن وجهة النظر لدى ائتلاف «سائرون» هى أن مقتدى الصدر، الذى فاز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، لا يتمتع بعلاقات حسنة مع الجانب الروسى، لكن هذا لا يعنى أن موسكو ستكتفى بالنظر فقط إلى عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بدون الإقدام على اتخاذ إجراء معين.فبيان الصدر حول ضرورة إيجاد علاقات فعلية مع اللاعبين على الساحة السياسية فى العراق، يشير إلى أنه من المحتمل بشكل كبير أن يتبنى الصدر سياسة خارجية مشابهة عند تشكيله لحكومة جديدة بالعراق. وإذا حدث ذلك، فإنها ستكون فرصة مناسبة ومهيأة لموسكو تعمل فيها على تطوير العلاقات والتعاون مع الجانب العراقي. فمشكلة مقتدى الصدر وائتلافه تتعلق بالعديد من العوامل التى يمكن أن تؤثر على الأولويات السياسية الخارجية للحكومة القادمة بالعراق. فائتلاف سائرون لم يستطع الفوز بالأغلبية المطلقة واللازمة لتحقيق جدول أعماله الذى يريده. واضطر الصدر إلى التحالف وطلب التعاون مع القوى الأخرى والائتلاف معها. فضلًا عن أن ائتلاف سائرون نفسه ليس موحدًا. وساعد تنوع القوى داخل ائتلاف سائرون على زيادة نسبة الأصوات المؤيدة للائتلاف، إلا أنه وعلى الجانب الآخر، فإن هذا التنوع يمكن له أن يسبب مشكلات لهذا الائتلاف. فالقوى المتنفّذة فى هذا الائتلاف، والتى يأتى من بينها الحزب الشيوعى العراقي، من الممكن أن تقضى على أى اتفاق داخل الائتلاف نفسه، ما يضع أطراف الائتلاف ضد بعضهم البعض. أما النقطة الثالثة، بحسب الصحيفة، فهى أنه كلما ظهرت شخصية عراقية على الساحة السياسية، فإن اللاعبين الآخرين من الساسة سيقومون بتقييده وإضعاف قوته.وعلى الجانب الآخر، من الخطأ الاعتقاد بأن اليساريين داخل ائتلاف الصدر يمكن لهم أن يلعبوا الدور الأكبر فى تعميق العلاقات العراقية مع الجانب الروسي. فأهم عنصر هنا من وجهة النظر الروسية هى تنشيط العِلمانيين داخل ائتلاف الصدر، والذى يمكن بناء عليه التأثير بشكل إيجابى على المشهد السياسى الداخلى فى العراق. وبالنسبة للمواطن العراقى العادي، فإنه وبعيدًا عن التوجه السياسى له فإن الحضور الروسى فى عملية التعدد سيكون أمرًا مفيدًا ومثمرًا. ويرى الكثير من العراقيين أن التعاون الروسى مع العراق فى المسائل العسكرية والفنية يجعل من روسيا شريكًا مؤكدًا ومفيدًا لبغداد. والجدير بالذكر أن مدير مكتب الصدر إبراهيم الجعفري، قال الشهر الماضي، إن بلاده تسعى إلى تعزيز قدراتها الدفاعية وقواتها التنفيذية فى مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، رغم أنه أكد عدم السماح لأية دولة بالتدخل فى الشئون الداخلية للعراق. ولن يكون مقتدى الصدر لقمة سائغة فى فم موسكو. ومع ذلك، فإن براجماتيته وحكمته يمكن أن تثمر عن أفضل الأوجه الممتازة للعلاقات بين موسكو وبغداد. يذكر أن رئيس لجنة الدفاع والأمن فى البرلمان العراقي، حكيم الزميلي، والذى تربطه علاقات موثقة مع الصدر، قد أثنى على جهود روسيا فى التصدّى لتنظيم «داعش» الإرهابي. كما أكد الزميلى فى بيانه أحقية العراق فى الحصول على أنظمة الدفاع الصاروخية «إس - ٤٠٠»، والتى يهدف العراق منها إلى الدفاع عن مجاله الجوى والأرضي، رغم أن السفير العراقى فى روسيا، حيدر منصور هادي، قد كذّب تسلّم العراق هذه المنظومة الدفاعية. وعلى أية حال، يمكن أن تكون هذه التصريحات أساسًا لتعزيز العلاقات بين الجانبين. من ناحية أخرى، يجب ألا ننسى أن ماضى التيار الصدرى فى مواجهة الاحتلال الأمريكى يمكن أن يشكل منطلقًا لتقارب فى العلاقات ما بين بغداد وموسكو، وذلك بوصف الاثنين منافسًا أساسيًا لوشنطن فى المنطقة. وأخيرًا، يشترك العراق مع روسيا فى وجهات نظر متقاربة فى المنطقة. فمع أن هناك من تولوا مؤخرًا الحكم فى البلدين مما يحتمل معه التأثير على العلاقات بين الجانبين، إلا أنه لا يبدو أن ذلك أحدث تغيرًا جوهريًا فى علاقات البلدين. وعلاوة على ذلك، تستمر شركات الطاقة الروسية الكبرى، مثل غاز بروم ولوك إويل فى العمل بأغنى حقول النفط العراقية، وهو أمر تقدره السلطات العراقية جيدًا. وبعد كل ذلك، لا يبدو أن الحكومة العراقية الجديدة تريد إيقاف شراء المعدات العسكرية من روسيا أو التعاون فى مجال تنمية الحقوق النفطية وتنفيذ مشاريع إعادة العراق بدعم روسي.
مشاركة :