القاهرة – اتفق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الذي بدأ زيارة رسمية أولى لمصر، مساء السبت، على ضرورة تبني رؤية مشتركة تنطلق من احترام حق كل دولة في تحقيق التنمية المستدامة دون المساس بحقوق الطرف الآخر، وأكدا وجود إرادة سياسية لتوسيع أُطر العلاقات بين البلدين لتشمل الكثير من المجالات الحيوية. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، في مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، مساء الأحد إن مصر ستحصل على حصتها من مياه نهر النيل، مشددا «سنحافظ على حصة مصر بل وزيادتها». وأضاف آبي أحمد أن زرع الفتن لن يخدم مصر ولا إثيوبيا، موضحا أن الخلافات لم ولن تفيد، وأن ترابط النيل لأجل التنمية هو ما سيفيد. من جهته أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن علاقات مصر وإثيوبيا ممتدة منذ آلاف السنين، مشيرا إلى أن النيل هو الرابط بين البلدين. ووصل رئيس الوزراء الإثيوبي إلى القاهرة، السبت، قادما من كمبالا، بعد أن التقى الرئيس الأوغندي يوري موسفني، الذي زار القاهرة قبل أسابيع قليلة. وتزداد وتيرة التنسيق بين القاهرة وكمبالا بشأن ملف الحرب الأهلية في جنوب السودان، وعقدت اجتماعات عدة في عاصمتي البلدين للتوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المتصارعة في جنوب السودان. وحمل توجه آبي أحمد ناحية أوغندا كمحطة أولى قبل زيارته لمصر توقعات حول زيادة ملامح التنسيق بين القاهرة وكمبالا، ظهرت بقوة عام 2016 عندما قام السيسي بزيارة أوغندا، وناقش وقتها سبل تعزيز السلام في منطقة حوض النيل. وقالت مصادر لـ”العرب” إن موسيفيني يلعب دورا كبيرا أقرب إلى وساطة بين الجانبين المصري والإثيوبي لتجسير الهوة وتقريب وجهات النظر وحل نقاط الخلاف الفنية حول آلية بناء السد وملء الخزان. وأضافت أن أوغندا تتمتع بعلاقات قوية مع البلدين، وهي من أهم دول منابع نهر النيل، ولها تأثيرات إيجابية على الطرفين ورغبة في تحسين العلاقات بشكل يسمح بتهيئة الأجواء للوصول إلى صيغة نهائية في الاجتماع التساعي الثالث بين وزراء الري والخارجية ورؤساء المخابرات لمصر والسودان وإثيوبيا قبل نهاية الشهر الجاري بالقاهرة. ويبدو التدخل الأوغندي متوائما مع الأحداث الحالية، مع تحسن العلاقات الأوغندية الإثيوبية التي كانت فاترة قبل قدوم آبي أحمد للحكم والإعلان عن رغبته في إحداث نقلة كبيرة في سياسة بلاده الخارجية لتميل نحو التهدئة مع دول الجيران ونزع فتيل الأزمات الإقليمية، والتي بدأها الأسبوع الماضي بإعلانه تفعيل اتفاقية الجزائر لإنهاء الخلاف الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا. ورغم التوسعات في سياسة التهدئة وخفض التوترات الإقليمية، يرى مراقبون ضرورة الحذر وعدم الإفراط في التفاؤل بقرب حل أزمة سد النهضة المشتعلة منذ قرابة سبع سنوات، ودخلت منعطفات عدة. ويشير هؤلاء إلى أن آبي أحمد ترعرع على تعاليم الزعيم السابق ملس زيناوي وأفكاره القومية التي تمجد الهوية الإثيوبية وتعظم التنمية وهو بمثابة الأب الروحي للسد، لن يقبل بسهولة تقديم تنازلات في مسألة السد الذي تحول إلى مشروع قومي وبداية لنهضة مأمولة في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تضرب البلاد. وتتبع إثيوبيا استراتيجية فرض نفوذها على مياه النيل باعتبارها دولة المنبع مستغلة تمسك مصر بسياسة النفس الطويل وحرصها على عرض حلول وصفقات أكثر شمولًا. ويقول أستاذ العلوم الأفريقية في معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة وخبير المياه ماهر سيد شعبان، إن زيارة آبي أحمد مهمة وتحمل عدة دلالات، أهمها فتح الباب لقدرة القيادات السياسية على الوصول إلى حد قريب من التفاهمات، ولكن الأهم تقديم رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد بادرة قوية أكثر من مجرد كلمات براقة. وأكد شعبان لـ”العرب” أن حل الأمور العالقة والوصول إلى تسوية واتفاق نهائي يبدآن بتقديم آبي أحمد وعدا صريحا بتأجيل ملء خزان السد حتى الوصول إلى صيغة نهائية بشأن المدة الزمنية المختلف فيها. وتعتبر مسألة مدة التخزين أكبر أزمة بين مصر وإثيوبيا، إذ ترغب أديس أبابا في تخزين ما يعادل 15 مليار متر مكعب سنويا خلال ثلاث سنوات، لسرعة إنتاج الكهرباء المائية، إلا أن مصر ترى في ذلك تأثيرا خطيرا على أمنها المائي وتطلب تمديد الفترة لأكثر من خمسة سنوات، وهو ما ترفضه إثيوبيا. وأضاف أنه حتى اللحظة إثيوبيا ماضية في بناء السد دون اهتمام لما ستؤول إليه المفاوضات المعقدة، وهو ما يرجح أن السياسة الإثيوبية لم تتغير مع مصر سوى بتهدئة التوترات الكلامية. وتدرك القاهرة مخاطر الاستمرار في هذه السياسة، وتحاول الانفتاح على جهات كثيرة للضغط على إثيوبيا. لكن المشكلة تكمن في أن أديس أبابا انتبهت لهذه التوجهات وبدأت تعيد النظر في علاقاتها الخارجية بما يقطع الطريق على مصر حتى لا توظّف أي أخطاء ترتكبها إثيوبيا.
مشاركة :