حتى يكون برلماننا القادم قويا

  • 6/12/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عندما طلب الحلفاء من اليابان بعد خسارتها وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية انتهاج سياسة ديمقراطية وافقت اليابان على ذلك لكنها اشترطت إعطاءها مهلة خمسين عاما أي نصف قرن من الزمان لتهيئة الناس والمجتمع الياباني للديمقراطية المنتظرة، حيث إن المجتمع الياباني في ذلك الوقت لم يكن مهيئا للديمقراطية وعلى الحكومة اليابانية عمل البرامج والأنشطة والخطط المناسبة لتعريف الناس بالديمقراطية وبشروط ومتطلبات ومستلزمات الديمقراطية لأن الديمقراطية لا تنزل من السماء فهي ممارسة وتدريب وتعوّد ووعي واقتناع حتى القارة الأوروبية تعززت فيها الديمقراطية بعد عقود من الهيمنة الحكومية على كل شيء بما فيها المناهج الدراسية وملاحقة الجمعيات والأحزاب وحتى الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني الذين كانوا يطالبون بالديمقراطية. ونحن في البحرين تعززت الديمقراطية والممارسة الديمقراطية عندنا مع إطلاق جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى أيده الله مشروعه الإصلاحي في بداية الألفية الثالثة بعد تولي جلالته حفظه الله مقاليد الحكم في البلاد خلفا لوالده الأمير الراحل المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، حيث شهد البحرين في عام 2002 انتخابات برلمانية وانتخابات بلدية تشكل على أثرها البرلمان والمجالس البلدية. إلا أن الممارسة تؤكد أن الناخبين والمترشحين على حد سواء لم يكتسبوا حتى الآن الخبرة الكافية لاتخاذ القرارات المناسبة التي تخدم العملية الديمقراطية في بلادنا للسير بها إلى الأمام لمواكبة الديمقراطية العالمية العصرية والحضارية كما هو الحال في الدول المتقدمة، فقد شاهدنا خلال انتخاباتنا الأولى كيف أعطى البحرينيون أصواتهم لمرشحي الجمعيات السياسية الدينية على أمل أن يسهموا في تحقيق آمال وتطلعات المواطن البحريني وفي سن القوانين والتشريعات ومراقبة أداء السلطة التنفيذية بعد اكتمال متطلبات دولة القانون والمؤسسات الدستورية بوجود السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولكن سرعان ما اكتشف هذا المواطن أن أداء المجلس لم يكن في مستوى الطموحات والآمال والتطلعات المنتظرة من المجلس وخصوصا خلال الدورة الانتخابية الثانية عندما دخل المجلس في صراعات وخلافات طائفية واستجوابات لا معنى لها عطلت المجلس وعرقلت دوره الأساسي في التشريع ومراقبة الأداء الحكومي. ومع استمرار الدورات الانتخابية أعطى المواطن البحريني صورته للمستقلين لعلهم يكونون عونا للحكومة في تنفيذ برنامج عملها لتحقيق مستوى أفضل للمواطنين إلا أنه مع الأسف فإن أداء المجلس استمر على ما هو عليه مما يؤكد أننا لم نكتسب الخبرة اللازمة والمطلوبة لاختيار ممثلينا في بيت الشعب البرلمان، حيث إن الناخب البحريني حتى الآن لم يتجرد أو يتخلص من سيطرة القيم المحافظة والتي تتحكم في قراره فلا يزال كثير من الناس يربطون اختيارهم للمرشح بالتدين أو بالخدمات وهذا خطأ كبير ما بعده خطأ وليس له علاقة بعملية الاختيار، فالمجلس النيابي له مهام أخرى ذكرناها في أكثر من مناسبة وهي مهام ضرورية وأساسية لتكريس قيم ومفاهيم دولة القانون والمؤسسات الدستورية وبناء الدولة المدنية العصرية وهي مهمة التشريع وسن القوانين ومراقبة الجهاز التنفيذي كما أسلفنا، فهذه المهام لا علاقة لها لا بالتدين ولا بتقديم الخدمات وإنما لها علاقة بالعلم والمعرفة والخبرة والممارسة، فهذه الحقيقة يجب أن يدركها الناخب البحريني وخصوصا أننا على موعد مع دورة برلمانية جديدة بعد أشهر قليلة، فالانتخابات على الأبواب والمطلوب من الآن إنارة الناخب البحريني من خلال التوجيه والإرشاد ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة حتى لو تطلب الأمر تنظيم دورات وورش عمل للناخبين على غرار ما فعله مجلس النواب بالنسبة للمواطنين الذين يعتزمون الترشح لخوض الانتخابات القادمة، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه ليس في صالح تجربتنا الديمقراطية التي نعلق عليها آمالا كبيرة للسير بالبحرين إلى الأمام فضلا عن أن هذا الوضع لا يشجع الكفاءات والكوادر البحرينية المؤهلة على خوض الانتخابات لأنها تعرف أن الناخب البحريني لن يمنحها صوته لأنه لا يزال يربط صوته بالخدمات وبذلك نخسر جهود هؤلاء مثلما خسرنا جهود العديد منهم في الجهاز الحكومي. إنها دعوة من القلب للناخب البحريني بالتصويت للمترشحين من ذوي الدرجات العلمية العليا ومن ذوي الخبرة والكفاءة من المثقفين والأكاديميين والتكنوقراط وأصحاب الفكر النير بعيدا عن الطائفية والمذهبية أو المصالح الشخصية حتى يكون برلماننا القادم برلماننا وطنيا قويا معينا للدولة والحكومة وقادرا على سن التشريعات والقوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، حيث إن التجربة أكدت ضرورة وجود هذه العناصر في البرلمان.

مشاركة :