تنزعج "ناريمان" من تعليقات صديقتها المُتكررة حول أسباب كثرة تغيير صور الملف الشخصي "البروفايل" على برنامج "واتس أب" الخاص بها، ويتعجَّب "سليمان" من تغيّر الأسلوب المفاجئ لصديقه "عبدالله" في الحياة، بعد أن كان يرى أنَّ ممارسة الرياضة نوع من الترف لمن يشترك في أندية رياضية، وأنَّ ولائم الأكل الدسمة، التي يحرص على تناولها غير مبالٍ أنَّ صحته متعة الحياة الحقيقية، فقد استطاع إنقاص وزنه وأصبح وقت ممارسة الرياضة في النادي الرياضي من أولويات يومه، بل إنَّه بات ينصح أصدقاءه بمشاركته فيه، وتحوَّلت "وفاء" من سيدة في سن ال (50)، لا تبالي بتقدم سنوات عمرها، التي تركت آثارها باديةً على وجهها، الذي كان في خصام دائم مع مستحضرات التجميل، إلى سيدة عادت بعجلة سنوات عمرها إلى ال (30)، حيث بدت نشيطة تمارس الرياضة، وتلبس أرقى "الموديلات" العصرية، كما أنَّها التحقت بمعهد لدراسة اللغة الإنجليزية، وذلك بعد أن التقت بفارس أحلامها، الذي كان بمثابة ضوء أنار عتمة حياتها ويشعرها أنَّ الحياة من الممكن أن تبدأ مُجدداً في أيّ وقت. ويُعدُّ التغيّر سنة من سنن الحياة، وتتكرر مشاهدات التغير لمن حولنا بشكل مفاجئ أحياناً، كما أنَّ أكثر الناس ينتظرون حدوث أمرٍ ما ليتغيروا، وهناك من يتغيّر عندما تحدث لهم صدمة، إلاَّ أنَّ أعظم التغير هو التغير المقصود النابع من إرادة قوية. صفة عامة وعرَّف "د.أسامة بن عبدالقادر النعيمي" -استشاري أول أمراض نفسية بمركز الجامعة الطبي- التغيّر، بأنَّه صفة عامة، مُضيفاً أنَّه تحول الشيء من حال إلى حال بشكل مفاجئ وقاطع، موضحاً أنَّ التغيير يفيد التحول القائم على فكر وتدبُّر مُسبق، ونتائج تكون محسوبة قدر المستطاع، مُشيراً إلى أنَّ التغيير صفة من صفات الحياة، سواءً أراد الإنسان هذا التغيير أو وقف ضده، مؤكداً على أنَّ التغيير والوفاة هما الثوابت الوحيدة في الحياة. وأشار إلى أنَّ نواتج التغيير تختلف حسب الأشخاص والأهداف وعلاقة الأفراد بهذه الأهداف، مُضيفاً: "حتى نوضح هذا المنطق، علينا تصور علاقة المدخن بالتدخين، فعندما يقرر المدخن أن يتوقف عن التدخين، فهو يختار تغييراً في العلاقة بينه وبين السيجارة، وفي هذه الحالة بالذات، فإنَّ التغيير هنا يتوقف على عمق العلاقة بين المدخن والتدخين"، موضحاً أنَّه من الصعب تصور أنَّ رائحة الدخان أو مضاره تدفع المدخن للاستمرار بالتدخين. صعوبة التغيير وأضاف "د.النعيمي" أنَّه لم يبق إلاَّ العلاقة الحميمة، التي طورها المدخن مع هذه الآفة وربطه إيَّاها بأحداث معينة في حياته، موضحاً أنَّ صعوبة التغيير هنا تصبح مفهومة أكثر من هذا المنطلق، وعلى مستوى آخر قد نصادف آخرين قرروا التغيير إلى الأفضل أو الأسوأ بمنظورنا، إلاَّ أنَّنا نتجاهل الأسباب أو الأهداف، التي حققها هؤلاء بهذا التغيير، لافتاً إلى أنَّ الأسباب قد تكون قاهرة، كاضطرار الطفل للتنازل عن ألعابه، وربَّما طفولته، ليساعد عائلته بعد وفاة معيلهم، أو ترك الفتاة دراستها بسبب حملها المبكر. وبيَّن أنَّ هذه الأسباب قد تكون اختيارية، ولعل أوضح الأمثلة هو فقدان الفتاة للكثير من وزنها للتماشي مع متطلبات الموضة، أو تعلّم الشاب قيادة السيارة ليحظى بمزيد من الاستقلالية، موضحاً أنَّ أصعب أنواع التغيير هو المرتبط بالأهداف، مُشيراً إلى أنَّه كلما كان تعلّق الفرد بالهدف قوياً، أصبح مسعاه للتغيير والتزامه بالنواتج أكثر وأعمق، لافتاً إلى أنَّه عندما يُنعم الله -سبحانه وتعالى- على إنسان ما بالهداية، فإنَّ التزامه يصبح أوثق وأمتن من أن تُحرّكه الظروف. مكافحة التغيير وأوضح "د.النعيمي" أنَّه على مستوى أدنى يظهر التزام مريض "السكري" بالحمية الغذائية يكون خوفاً من المرض والموت، كما أنَّ تغيير الطالب ساعات نومه يكون ليحظى بمزيد من الراحة قبل الامتحان، مُشيراً إلى أنَّ علينا الاعتراف أنَّ التغيير ليس مُرحباً به دائماً، حيث أنَّ المجتمع يحب السكون ويعتبره ضرورياً للتطور، ويتجاهل التغيير باعتباره ثورة، وربَّما طفرة في أحد الاتجاهين الايجابي أو السلبي، لافتاً إلى أنَّ العديد من أفراد المجتمع يكافحون التغيير حتى يثبت لهم أما فاعليته أو ضعفهم أمامه، مستشهداً بغزو الثقافات الغربية والتقنية لمجتمعاتنا. وأكَّد على أنَّه لا توجد علاقة بين التغيير والعمر أو الجنس، إلاَّ أنَّ شدة وحدة التغيير تخفت بتقدم السن، مُشيراً إلى أنَّ البعض يخلطون بين التغيير والتغيّر عندما يتعلق الأمر باتباع المرأة لخطوط الموضة، أو تهافت الشباب على شراء السيارات والجوالات الجديدة، موضحاً أنَّ هذا يُعدُّ تغير محدود، وليس تغييراً جذرياً، لافتاً إلى أنَّ البعض يرفض التغيير ويمقته، إمَّا لأنَّ هذا التغيير يهدده شخصياً أو يُهدّد مكانته، أو حتى يُهدّد ما يعتز به، مُستشهداً في هذا الشأن بمشركي "قريش"، حيث رفضوا التغيير حتى بعدما جاءهم الحق بكل الأدلة. ورأى أنَّ ما سبق لا يعني أنَّ كل تغيير هو أمر صحي، فكما أنَّ هناك شخصيات تقف في وجه التغيير، إلاَّ أنَّ هناك أيضاً شخصيات ترحب بأيّ تغيير، سواءً كان إيجابياً أو سلبياً، طبيعياً كان أم مصطنعاً، مُضيفاً أنَّه يجب أن يُنظر هنا بعين الريبة لهؤلاء الأشخاص أو على الأقل لنواياهم، مؤكداً على أنَّ كثيراً من المضطربين نفسياً أو عقلياً يجدون ضالتهم في تفتيت قيم المجتمع بداعي التطوير، لافتاً إلى أنَّ التغيير سنة من سنن الحياة، والعاقل من يختار من السنن ما تناسبه وتتماشى مع قيمه. مرونة ذهنية وقال "د.محمد بن مترك القحطاني" -وكيل عمادة التقنية والجودة، وأستاذ علم النفس المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: "هناك نوعان من التغير، أحدهما الحاصل في الظواهر الطبيعية، والآخر هو التغير الاجتماعي والاقتصادي والسمات الشخصية للأفراد"، مُضيفاً أنَّ المجتمع والعصر يتغيران، لافتاً إلى أنَّ هناك نوعين من التغير يمر بها الأفراد، إذ أنَّ هناك أفراداً لديهم مرونة ذهنية ويحبون التغير والاستماع لرأيهم ولوجهة نظر الآخرين. وبيَّن أنَّ هناك نوعية أخرى لديهم الجمود المعرفي والذهني، إذ أنَّهم يرفضون التغير وكل شيء جديد، سواءً كان هذا التغير سيئ أو جيد نتيجة الجمود المعرفي لديهم، مؤكداً على أنَّنا بحاجة ماسة للتغير الإيجابي، خصوصاً أنَّ الإنسان المسلم الطموح يسعي دائما لهذا التغير، حيث قال الله –سبحانه وتعالي-: "إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، موضحاً أنَّه إذا غير الإنسان نفسه للأفضل، فإنَّ المجتمع سيتغيّر للأفضل، والعكس صحيح، لافتاً إلى أنَّ البعض يعتبر التغير سلبي، وهي وجهة نظر مخالفة للصواب. تغيُّر إيجابي وأضاف "د.القحطاني" أنَّ التغير يكون ايجابياً إذا راعينا فيه الجوانب الدينية الصحيحة ومصلحة الفرد والمجتمع، مؤكداً على أنَّ التغير بشكل تدريجي وبخطط مدروسة أفضل من التغير المفاجئ؛ لأنَّه يساعد الأفراد للتغير بشكل منطقي وعقلاني، مُشدِّداً على ضرورة توعية أبنائنا بثقافة التغيّر الإيجابي، كما أنَّ عليهم أن يأخذوا وقتهم الكامل في التغير، وإذا فشلوا لا نمنعهم من معاودة الجهود، وأن ننشر ثقافة التغير الإيجابي من خلال وسائل الإعلام وأئمة المساجد وأن نُعطي الوقت الكافي للتغير. وأشار إلى أنَّ التغير يكون في بعض الأحيان نابعاً من صدمة عنيفة مر بها الفرد، موضحاً أنَّ التغير سيكون سلبياًَ إذا كانت الصدمة عنيفة، كأن تتعرَّض المرأة لصدمة من رجل، فتُعمِّم أنَّ جميع الرجال سيئون وترفض الارتباط برجل مرة أخرى وتُحذّر بنات جيلها من الرجال. خلل نفسي وأوضح "د.شريف عزام" -استشاري علم النفس- أنَّ التغير عبارة عن محاولة مستمرة من الفرد للتغير؛ لأنَّه دائماً يأمل أن يُغير نفسه ويُطور ذاته، ومن المفترض أن يتدرج التغير من السيئ للأحسن، مُشيراً إلى أنَّ للتغير متطلبات دائمة، كأن تتوافق مستوى طموحات الفرد مع مستوى قدراته، لافتاً إلى أنَّ هناك من يُجري تعديلات كثيرة على صورة الملف الشخصي ال "بروفايل" في وسائل التواصل الاجتماعي، مرجعاً ذلك لخلل في حالتهم النفسية، مؤكداً على أنَّ تغيير عفش المنزل باستمرار أو تغيير مدرسة الأبناء والأجهزة الإلكترونية بدعوى التغير والبحث عن الجديد يعكس السمات الشخصية للأفراد. وأضاف أنَّه لا يمكن تصنيف من الأكثر ميلاً للتغير من الجنسين؛ لأنَّها تعتمد على الفروقات بين الجنسين، وأحيانا يكون التغير تعويضاً عن بعض الظروف، التي يعيشها الفرد، ومن ذلك شراء سيارة أو جوال من باب الظهور أمام الناس أنَّه بإمكاني اقتناء كل جديد، مُشيراً إلى أنَّ العلاقات الاجتماعية بحاجة للصبر، ولا يجب أن تدخل في إطار التغير، مثل الرجل الذي يتزوج وينفصل أو المرأة التي تتزوج أكثر من مرة بدعوى أنَّها لم تجد الراحة مع أحد منهم.
مشاركة :