الكرد يطرحون الدولة الكردية الموحدة والمستقلة (كردستان) التي يقولون إنها محتلة من أكثر من دولة، على اعتبار أنها وطن قومي سليب، أي كما هي فلسطين وطن سليب من الصهاينة؛ غير أنني تفاجأت عندما قرأت في (جريدة الشرق الأوسط) اللندنية خبراً يقول: (أسرت منظمة داعش الجندية جيل روزنبرج، الشابة الكندية - الإسرائيلية التي خدمت في الجيش الإسرائيلي وانضمّت مؤخراً إلى صفوف المقاتلين الأكراد في سوريا. ونفت هذه المصادر أن تكون لديها معلومات مؤكدة عن أسرها، وقالت: إنها تفضل الامتناع عن إطلاق تصريحات في هذه المرحلة سعياً وراء الحفاظ على حياتها) انتهى.. الخبر لم يتأكد بعد، ولكن من صيغته، واسم المجندة، وتفاصيل هويتها، يبدو أنه خبر صحيح. الكرد المقاتلون في (كوباني) يعطون بالسماح لهذه المرأة الإسرائيلية المقاتلة في صفوفهم ضد الدواعش ما يتمنونه، ليثبتوا أنهم حينما يقاتلون الأكراد (المسلمين) فهم يقاتلون من يتحالفون مع الإسرائيليين وأعداء الإسلام؛ وهو ما يواكب خطاب داعش السياسي ويبرره، وما يخدم تمكينها من استقطاب المقاتلين من المسلمين للانخراط في صفوفها؛ فإسرائيل عدو حقيقي يجب حربه ومقارعته طالما أنه يحتل فلسطين، هذا في حكم المسلّمات عند العرب وأغلب المسلمين؛ والمؤشرات التحالفية تعتبر مؤشرات لا يمكن إغفاله عند قراءة أي حالة سياسية أو إيديولوجية، فكما يقولون: (قل لي من يتحالف معك أخبرك من تكون). كما أن مشاركة هذه الإسرائيلية، حتى وإن كانت متطوعة، وشاركت من تلقاء نفسها، وليس باعتبارها مجندة رسمية إسرائيلية، سيعزز من موقف الدواعش في مقابل قوات التحالف الدولي ومنها دول إسلامية كما هو معروف ومعلن ؛ ما يجعل هذا الخبر - إن صح طبعاً - فرصة إعلامية مواتية لن يفوّتها الدواعش لإثبات سلامة مواقفهم وشرعية الحرب التي يمارسونها ضد الأكراد ومعهم قوات التحالف، وأنهم يواجهون أعداء الأمة.. وخطابٌ دعائي كهذا، وبهذا الدليل، سيجد آذاناً صاغية لدى كثير من المسلمين تصب في مصلحة هذه المنظمة الإرهابية؛ فهل يدرك الأكراد، أو من سمح لها بالمشاركة هذه الأبعاد، خاصة وقد أسرت، وأصبحت دليلاً ملموساً عليهم؟ أعرف أن ثمة منظمات كردية متطرفة ضد العرب كجنس، ويعتبرونهم كما يعتبرون القومية العربية إحدى العقبات في طريق تكوّن (الوطن القومي الكردي)، هؤلاء يرون في إسرائيل حليفاً سياسياً لهم، ويتعاملون معها من هذا المنطلق، فعدو عدوي هو حليفي في النهاية، غير أن من يذهبون إلى هذا المذهب العدائي المتطرف من الأكراد هم (قلة) ، أما الأغلبية، خاصة في العراق، وكذلك المنظمات الكردية الإسلامية، فنظرتهم إلى إسرائيل لا تختلف عن نظرة بقية العرب إليها، غير أن كثيراً من العرب والمسلمين عندما يسمعون بهذا الخبر قد لا يعرفون مثل هذه التباينات، وعادة ما يتركون التفاصيل ويحكمون على العموم، ومشاركة هذه الإسرائيلية مع الأكراد في كوباني سيدعم بلا شك من يرفع شعار (الأكراد أعداء وخونة)، وموقف كهذا قد يجعل الأغلبية من العرب بل ومن المسلمين أيضاً يتعاملون مع الأكراد مثل تعاملهم مع (ابن العلقمي) حين غزا التتار الشمال العربي؛ حيث اعتبروا خيانة ابن العلقمي - إن ثبتت تاريخياً - هي خيانة تنسحب على جميع الشيعة ضد كل أهل السنّة، وفي كوباني ربما يعتبرون الأكراد الذين سمحوا لهذه الإسرائيلية بالاشتراك معهم في الحرب على داعش تنسحب على (كل) الأكراد لا على فصيل منهم؛ وهنا الخطورة. الخبر إن ثبتت صحته هو خبر خطير، وسيكون له لدى العرب انعكاسات خطيرة، وسوف يشوّه الصورة النمطية للأكراد وقضيتهم في أذهان كثير من العرب والمسلمين. إلى اللقاء.. نقلا عن الجزيرة
مشاركة :