هل الأجواء مهيأة لانتفاضة فلسطينية ثالثة؟

  • 6/14/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في لقاء بين كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب مبعوثه للسلام في الشرق الأوسط وسفير الكويت في واشنطن يوم 6/6/2018، اعتبر ما قاله الأول للسفير بعيدًا عن الدبلوماسية وتدخلاً في شؤون الكويت الداخلية، حيث وصف موقف الكويت في مجلس الأمن بأنه خارج عن الإجماع العربي، مع أنه يعلم أن المشروع الذي قدمه مندوب الكويت كان باسم المجموعة العربية، ما يدحض أقواله. وكان مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة منصور العتيبي قد قدم يوم 1/6/2018، مشروع قرار إلى مجلس الأمن يطالب باتخاذ الإجراءات التي تضمن سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، لكن القرار قُوبل بالرفض بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» ضده، ما اعتبره الجانب العربي بمثابة «سقطة أخلاقية» أخرى لواشنطن، وانعزالاً عن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون، معربين عن أسفهم لعدم قدرة المجلس على تأمين الحماية لهم. ويدعو المشروع الكويتي إلى «النظر في الإجراءات التي تضمن سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة»، وينص على أن يوقف الجيش الإسرائيلي استخدام أي قوة مفرطة، ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم إلى أعضاء المجلس تقريرًا خلال 30 يومًا، بشأن مقترحات ووسائل توفير الحماية ووضع «آلية لحماية دولية للفلسطينيين». وكانت الكويت قد قدمت مشروع قرارها قبل التاريخ المشار إليه بأسبوعين، وطالبت في البداية بنشر قوة تؤمن حماية دولية للفلسطينيين بعد استشهاد نحو 60 منهم وجرح 2500 بنيران إسرائيلية على الحدود مع غزة، يوم 30 مارس الماضي، على امتداد السياج الأمني الإسرائيلي، فيما لم يُقتل أي إسرائيلي. حصل مشروع القرار الكويتي على موافقة 10 دول من إجمالي الدول الأعضاء بالمجلس البالغ عددها 15 دولة، فيما يتطلب تمرير المشروع موافقة ما لا يقل عن 9 دول من مجموع الدول الأعضاء في المجلس، شريطة عدم اعتراض أي من الدول الخمس دائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا. لكن عادة ما تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإجهاض أي مشروعات قرارات تعتبرها مناهضة لإسرائيل، وهو ما حدث بالفعل، حيث زعمت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة «نيكي هايلي» أن النص الذي قدمته الكويت باسم الدول العربية يعتمد «نهجًا منحازًا، ويؤدي إلى تقويض الجهود الجارية نحو السلام، مضيفة أن القرار الكويتي يمثل وجهة نظر أحادية الجانب حول التصعيد الأخير في قطاع غزة». وتعتبر هذه هي المرة الثانية خلال الأشهر القليلة الماضية التي تلجأ فيها هايلي إلى استخدام الفيتو ضد إجراء أممي يتعلق بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث استخدمت حق النقض في ديسمبر الماضي ضد نص قرار يرفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل. ولم تكتف واشنطن بذلك، بل قدمت مشروع قرار تُحمّل فيه «حماس» و«الجهاد الإسلامي» مسؤولية أعمال العنف في غزة، وتطالبهما بوقف كل أعمال الاستفزاز على طول السياج الحدودي، لكن لم يحظ مشروع القرار الأمريكي إلا بصوت واحد وهو صوت الولايات المتحدة نفسها، من بين 15 دولة. وفي حقيقة الأمر، لم يكن هذا الموقف غريبا على الولايات المتحدة التي أعطت الأولوية في سياستها الخارجية لحماية حليفتها في منطقة الشرق الأوسط منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي، والذي تفاقم في الآونة الأخيرة، بالنظر إلى النهج اللا قانوني واللا إنساني الذي يتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انتقد الأمم المتحدة عدة مرات، من خلال المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة. يؤكد ذلك ما نشره مركز «جلوبال بوليسي فورم»، الذي يتولّى الرقابة على عمل الأمم المتحدة في عدد من تقاريره من أن «الولايات المتحدة استخدمت نفوذها لإبقاء القضية الفلسطينية خارج أجندة مجلس الأمن، كما أنها استخدمت 46 مرة منذ قيام إسرائيل حق الفيتو؛ لمنع إدانة إسرائيل، وتقويض أي محاولة للأمم المتحدة لوضعها تحت المُساءلة من خلال المطالبة بإجراء تحقيق في سلوكياتها». وبدوره، أعرب مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة عن أسفه لعدم تمكن مجلس الأمن من اعتماد مشروع القرار، قائلا: «إن الرسالة التي يوجهها المجلس هي أن سلطة الاحتلال الإسرائيلي دولة مستثناة من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وأن الشعب الفلسطيني حتى بعد الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية المتكررة لأبسط حقوقه لا يستحق حتى النظر في آلية لتوفير الحماية الدولية له رغم تأكيدات المجلس وحرصه والتزامه بحماية المدنيين وفقا لكثير من القرارات التي أصدرها». وصرح بأن بلاده تفكّر في نقل القضية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة. فيما اعتبر وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لجوء أمريكا إلى حق النقض (الفيتو) بمثابة «سقطة أخلاقية وعمى سياسيا»، مؤكدا أن «السلطة الفلسطينية ستعمل كل ما بوسعها لضمان مساءلة ومحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني». وكان المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، فرانسوا ديلاتر، قد قال إن بلاده أيدت مشروع القرار العربي، قائلا: «إن صمت وعجز مجلس الأمن غير مقبول ويهدد بأزمة جديدة في الشرق الأوسط، داعيا الجميع إلى الانخراط والعمل من أجل تحسين عمل مجلس الأمن. وفي تصريحات مماثلة، قال مندوب السويد الدائم، أولوف سكوغ، إن مشروع القرار الأمريكي لا يعكس الحقائق في قطاع غزة». وجاء مشروع القرار الكويتي على خلفية ارتكاب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر في غزة، خلال مشاركتهم في مسيرات احتجاجية، قرب السياج الأمني الفاصل مع إسرائيل، وارتفاع عدد الضحايا جراء ردود الجيش الإسرائيلي على هذه المسيرات السلمية منذ انطلاقها إلى 119 شهيدا، إضافة إلى إصابة أكثر من 13 ألفا بجروح مختلفة. مسيرات هذا العام حملت شعار «من أجل البقاء، والصمود في الوطن، الذي لا وطن لنا سواه»، فخرج الآلاف من الفلسطينيين إلى الشريط الحدودي مع إسرائيل -قدرها المراقبون بـ40 ألف مواطن- في مسيرة سلمية، أطلق عليها «مسيرة العودة الكبرى»، يوم الجمعة 30 مارس، بالتزامن مع ذكرى يوم الأرض للمطالبة بحق العودة ورفع الحصار عن غزة. وتكررت المسيرات كل يوم جمعة حتى 15 مايو، الذي يصادف الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، والذي تحتفل فيه إسرائيل بإنشاء كيانها. انطلقت هذه المسيرات للحفاظ على ما تبقى من الأرض، مطالبة بحقوقها المشروعة بما في ذلك رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، منذ ما يقرب من 11 عاما، ولتفعيل حق العودة للاجئين الذي تقضي به عدة قرارات دولية أولها وأبرزها القرار رقم 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي لم يُنفذ، بعد فشل المسار السياسي على المستوى الدولي والعربي، الذي لم يحقق لهم أي تغيير بقضيتهم التي مرّ عليها سبعون عامًا. ومع تسارع وتيرة المسيرات، التي أبهرت بسلميتها الكثير من بلدان العالم، قُوبلت بوحشية من قبل قوات الاحتلال، التي حشدت عددا كبيرا من قواتها وقناصيها على الجانب الآخر من القطاع للتصدي للمسيرة، ما أدى إلى وقوع هذا العدد من الشهداء والجرحى، والتي سميت بـ «مجازر يوم العودة». وعلى خلفية هذه الانتهاكات، تراجعت شعبية إسرائيل بشكل كبير؛ بسبب إدراك المجتمع الدولي أن القوة التي تستخدمها ضد المتظاهرين السلميين غير مُبررة وغير قانونية، وهو ما أكده «جوشوا كيتينج»، محلل الشؤون الدولية في مجلة «سلايت» من أنه «في أوروبا، وبين عدد كبير من النُخب السياسية الأمريكية، تراجعت شعبية إسرائيل. وتساءلت صحيفة «الأوبزرفر»، «هل يُعاقب السجّان حينما يعترض على ما يُمارس ضده». وذهبت «الديلي تليجراف» إلى أن ما تزعمه إسرائيل في حماية حدودها عار من الصحة. ووصفت «نيويورك تايمز»، السلوك الإسرائيلي بأنه يحمل «قسوة مفرطة». وفي الإطار ذاته. وتحت عنوان «بعد موت غزة»، إسرائيل تحاول أن تبرر موقفها؛ عبرت «ليبراسيون» عن الأوضاع التي تمر بها الأراضي المحتلة، مشيرة إلى أن «إسرائيل بدأت حرب الكلمات في محاولة منها لتبرير موقفها بعد حرب الرصاص». ورغم أن إسرائيل قد سوقت إعلاميا أنها استطاعت إفشال الهدف الرئيسي من هذه المسيرات، فإنها كان لها تأثير كبير وحققت مجموعة من الأهداف، منها التلاحم الوطني بين القوى السياسية الفلسطينية جميعها، ونجحت في توجيه رسائل إلى إسرائيل بأن حساباتها في محاصرة غزة خاطئة، بعد أن بينت التجربة أهمية سلاح المقاومة الشعبية وفاعليته، ومن ثمّ، خسرت إسرائيل كثيرا من رصيدها السياسي، بعدما نجحت القضية الفلسطينية في وضع نفسها بقوة على طاولة مجلس الأمن، فضلاً عن استجلابها الكثير من ردود الأفعال الدولية المنددة بوحشية الاحتلال في التعامل مع المواطنين السلميين، وهو الأمر الذي يجب استثماره لتحقيق الكثير من النتائج. وهكذا، وبعد أن أصبح التكوين الحالي لمجلس الأمن لا يُحقق توازنًا دوليًّا، ولا يعمل على حماية الشرعية المتمثلة في القوانين الدولية وحقوق الإنسان، أضحى على الدول أن تحمي مصالحها خارج هذا الكيان، وتحتم المسؤولية على الدول الكبرى إحياء ضمائرها للتدخل لوقف انحياز الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية وغيرها، والضغط على إسرائيل بكل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية، للوفاء بالاتفاقات الموقعة والقرارات الدولية وغيرها للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967. هذا فضلاً عن الجهود التي يجب أن تُبذل على المستوى العربي، بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار يقضي بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وكذلك التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية للمطالبة بمحاكمة قادة قوات الاحتلال لتورطهم بجرائم موثقة ارتكبوها ضد المشاركين بمسيرات العودة السلمية وجرائم أخرى قبلها. وما لم تتم حماية الشعب الفلسطيني والإعتراف بحقوقه المشروعة ، فسوف تجد إسرائيل نفسها أمام إندلاع إنتفاضة فلسطينية ثالثة.

مشاركة :