إبراهيم الصولة... مطور الفنون الشعبية وملحن النشيد الوطني

  • 6/15/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

اشتهر بغزارة الإنتاج غناء ولحنا، ومسيرته الفنية حافلة وشملت شتى الألوان، كان أبرزها تلحين نشيد الكويت الوطني، ذلك اللحن الذي صاغ كلماته مبدع آخر هو أحمد مشاري العدواني. وكان الراحل محبا للتراث الغنائي الأصيل ومشغوفاً بالألوان الفلكلورية، فنهل من هذه الفنون الجميلة، ودأب على تطويرها بالتعاون مع مجموعة من الفنانين. فمنذ صغره، جذبه الفلكلور فقرر التعمق فيه، فشد الرحال إلى مصر للحصول على الدبلوم في الآلات الموسيقية من المعهد العالي للموسيقى العربية بالقاهرة، متأبطاً شغفه بالنغم، ومستندا إلى إرث بلده بالفنون الشعبية الزاخر والمتنوع، مزج بين إبداع الموهبة وثراء العلم بإنتاج فني وموسيقي سيظل صادحا في ذاكرة الكويت الفنية والموسيقية. إذ تجاوزت أعماله التي غناها ولحّنها نحو ألف عمل فني جمعت شتى ألوان الموسيقى والغناء وأثرى بها المكتبة الموسيقية الخليجية، ليظل علامة على إبداعه الفني والوطني في مجال سيرته الفنية. والصولة لم يكن فنانا وموسيقيا فحسب، بل كان باحثا ومطورا للقوالب الموسيقية منذ بداياته الفنية بالمركز الثقافي العمالي عام 1960، ثم مركز رعاية الفنون الشعبية عام 1961 ثم التحاقه بإذاعة دولة الكويت كموسيقي وفنان مجدد الى أن شغل وظيفة رئيس قسم الموسيقى فيها. ولد الفنان الراحل إبراهيم الصولة في الكويت عام 1935، ونشأ وترعرع في حي المرقاب وتتلمذ على يد الملا مرشد في المدارس البدائية، وبسبب شظف العيش لم تسمح له الظروف بإكمال الدراسة، فتركها وهو في الثانية عشرة من عمره، ولما كان والده يعمل في مجال الغوص ويغيب فترات طويلة عن البلاد، وكان إبراهيم يحلّ محله في غيابه ويتولى أمور أسرته رغم حداثة سنّه، فلم يهنأ برغد العيش، ولم يعش طفولته، في حين اكتسب من العمل مع والده خبرة في الحياة، وتعرّف إلى الناس وشقّ طريقه واعتمد على نفسه. ونظراً لقرب منزل الصولة من موقع تجمع الفرق الشعبية في منطقة المرقاب آنذاك، نشأ على حب فنون السامري والعرضة والفنون الصحراوية، مستفيداً من هذا التنوع الذي مكّنه من معرفة الألوان الغنائية المتعددة التي انطبعت انطباعاً كاملاً في ذهنه. الأعمال الحرة وعمل الصولة في الأعمال الحرة في عام 1956، وفي هذه الأثناء كان يرتاد النادي العمالي ويقابل أصدقاءه فيه، ولما كان يهوى الموسيقى منذ الطفولة، درس في النادي الموسيقي على يد محمد راشد الأحمدي الذي علمه العزف على الكمنجة، أما الفنان الذي وقف معه أكثر ودربه ونقله من النادي العلمي إلى المسرح الشعبي فهو محمد النشمي، وكان مدير الفرقة آنذاك وتربطه بإبراهيم الصولة علاقة عائلية وسانده في التمثيل، كذلك كان له دور كبير في تعلم الصولة العزف على آلتَي العود والكمنجة. وعقب ذلك انخرط الصولة ضمن فرقة موسيقية تعزف فواصل موسيقية أثناء الاستراحة المسرحية بين الفصلين، وكان الأستاذ محمد حسن صالح يدرب أعضاء الفرقة، فبدأ يعلم أعضاء الفرقة كتابة النوتة الموسيقية على أسس صحيحة وقراءتها. وفي عام 1961 عُين كاتبا وإداريا في إدارة الشؤون الاجتماعية والعمل. بعد ذلك، انتقل إلى العمل في النادي العمالي ثم إلى مركز الفنون الشعبية، الذي أسسه المرحوم حمد الرجيب لرعاية الفنون الشعبية وجمع التراث، وكان يضم مجموعة من الفنانين من بينهم: أحمد الزنجباري، وأحمد باقر، وحمد الرجيب، وسعود الراشد، وعبدالله فضالة، وعوض دوخي، إضافة إلى أدباء وشعراء من بينهم: أحمد البشر الرومي، وعبدالعزيز حسين، وأحمد العدواني، وعبدالله سنان، وكانوا يجتمعون بعد الظهر ويعزفون ويغنون أغاني شعبية وأغاني أم كلثوم وموشحات وسماعيات، وكان الصولة يحضر يومياً إلى المركز ويستمع إلى الأعمال الرائعة، وكانت هوايته بدأت تظهر وتتضح موهبته أكثر فأكثر. واكتسب الصولة خبرة موسيقية في فترة وجوده في مركز الفنون الشعبية الذي كان يعتبر ملتقى الفنانين الكويتيين آنذاك، بعدما كرس وقته وجهده لهذا الفن المحبّب إلى نفسه وقلبه. وبرز الفنان الصولة بعدما جند أفكاره في تحقيق هدفه المنشود وهو أن يكون فناناً يعزف ويغني ويعرفه الناس، فانتقى من «ديوان فهد بورسلي» قصيدة «سلمولي على اللي سم حالي فراقه» ولحنها بطريقة سامرية، ومن هنا كانت الانطلاقة بصوت الفنان غريد الشاطئ. سلمو لي على اللي سم حالي فراقه حسبي الله على اللي حال بيني وبينه قايد الريم تأخذني عليه الشفاقه ليتني طول عمري حيسة في يمينه وفي عام 1962، انتقل الفنان الصولة من مركز عمله في رعاية الفنون الشعبية إلى الإذاعة الكويتية موسيقيا وعازفا على آلة «الكونترباس». وعلّم الفنان أحمد علي الصولة العزف على هذه الآلة وعلى أصولها العلمية، وصارت هي السبب الرئيس في انتقاله إلى الإذاعة عازفا على هذه الآلة، وعُين في فرقة الإذاعة الكويتية في يونيو 1962 واستمر في عمله ملحنا، وتوسّع نشاطه أكثر عند دخوله الإذاعة، فطرق الصولة ميادين التلحين. الأغاني العاطفية بعد أغنية «سلمولي» التي غناها غريد الشاطئ، لحن الصولة سامرية «يا روح روحي» غناء حورية سامي، من كلمات فهد بورسلي. وكذلك، برز في تلحين الابتهالات والأغاني الدينية، وبرع في تلحين الأغاني العاطفية وقدم أجمل الألحان، منها أغنية «يا قمر ليلي». وفي عام 1966، أرسلت وزارة الإعلام الفنان الصولة في بعثة إلى القاهرة لدراسة الموسيقى في معهد الموسيقى العربية، بعدما أمر الشيخ جابر العلي، بأن يتعلم أصحاب المواهب ويدرسوا أكاديمياً، فكانت الدفعة الأولى مؤلفة من الفنان عبدالرحمن البعيجان، والدكتور يوسف دوخي، وعثمان السيد (1963). أما الفنان إبراهيم الصولة فهو من الدفعة الثانية وكان معه د. يوسف عبدالقادر الرشيد، وعبدالله بوغيث، وبعدهم عبدالحميد السيد ومحمد التتان، وكان من ضمن أعضاء البعثة الفنان الدكتور عبدالرب إدريس. ونال الصولة البكالوريوس في المعهد العالي للفنون الموسيقية عام 1976، وبعد عودته من الدراسة عُيّن مشرفاً فنياً في مراقبة الموسيقى في إذاعة الكويت، ثم رئيساً لقسم الموسيقى (1982). ويعد الراحل أحد أكثر الفنانين غزارة في الإنتاج غناء ولحنا، فضلا عن أن مسيرته الفنية كانت حافلة وأبرز ما فيها تلحينه النشيد الوطني الكويتي، ذلك اللحن الذي صاغ كلماته مبدع آخر هو أحمد مشاري العدواني. وحصل الفنان الصولة على العديد من الأوسمة من الكويت وخارجها، اذ كرمته وزارة الاعلام ونال وسام الكويت لتلحينه النشيد الوطني، كما تم تكريمه في الشارقة عام 2000، وحصل على جائزة الدولة التقديرية لعام 2010. خلّد الصولة اسمه بأحرف من وطن، عقب تلحينه نشيد الكويت الوطني، وبداية ذلك حينما طلب المسؤولون من الملحنين في فئاتهم الممتازة والأولى والثانية تلحين نص أغنية «دارنا يا دار»، وقد تم فعلاً توزيع النص ولحّنه الملحنون، في حين أن الفنان الصولة لم يلحّنه. وبعد فترة صرفوا النظر عن نص «دارنا يا دار»، وكُلف الشاعر أحمد مشاري العدواني كتابةَ نشيد جديد عام 1976، قبل ثلاثة أشهر من امتحان البكالوريوس لإبراهيم الصولة، إذ كان يدرس في القاهرة، فاستدعت السفارة الكويتية في القاهرة الصولة وسلّمت له تكليفاً رسمياً من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وعقب انتهاء الصولة من تلحين النشيد سجله على شريط. وعندما انتهى من الامتحانات وعاد إلى الكويت، سلّم الصولة اللحن إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكان الفنان أحمد علي مسؤولا عن جمع الألحان. وحينما عرض على اللجنة طلبت إعادة التلحين، لكنه رفض إعادة التلحين لأنه يشعر أن دفقة الإحساس التي صاغت اللحن هي المثلى بالنسبة له، وجاء في مقدّمة النشيد الذي كتبه الشاعر الراحل أحمد العدواني الأبيات التالية: وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد يا مهد آباء الأُلى كتبوا سفر الخلود فنادت الشهب الأغنية الوطنية قدم الفنان إبراهيم الصولة أغنيات وطنية كثيرة في مشواره، سواء تلك التي غناها من ألحانه، أو التي غناها مطربو الكويت، ومن بينهم غريد الشاطئ في أغنيات «قصة مواطن»، «ألفين مبروك»، في حين لحن للمطرب غازي العطار «أجمل فرحة»، وللفنان محمد الويس «طير السعد». وكذلك غنى له الفنان مبارك المعتوق «عيدي يا كويت»، أما الفنان يحيى أحمد فغنى «اليوم في بلدنا»، وأنشد عبدالمحسن المهنا «رايات الفرح»، كما كان له تعاون مع الفنان مصطفى أحمد فغنى من ألحانه «في طريق المجد»، «يا الله على خط النار»، و«شمس الخليج». وغنى الصولة مجموعة أغنيات وطنية، منها «من يحبك»، كلمات مبارك الحديبي وألحان عبدالرحمن البعيجان، و«يا أم المحبة» من ألحانه وكلمات عبدالخضر عباس، وغنى من ألحان حمدي الحريري وكلمات خميس بكر أغنية «فرح يا كويت» و«أشرق النور». ومن الأغنيات الوطنية التي لحنها الصولة أيضا «يا وطن حقك علينا»، «غنوا لها»، «عز الوطن»، «نور بلادي»، «أحلى الأسامي»، «أجمل التهاني»... وكان الصولة لا يترك مناسبة وطنية إلا ويشارك فيها، سواء بصوته أو بصوت مطربين آخرين، لذلك أثرى المكتبة الغنائية الوطنية بألحان رائعة. من أقواله كان الراحل يجتهد كثيراً في عمله مركزاً على البحث والتطوير، باحثاً عن التميز، ومن أبرز تصريحاته وأقواله: • الحركة الفنية في منطقة الخليج بخير وهي في تقدّم ملموس لأنها أصبحت تضمّ الآن خيرة الشباب المتعلّمين المثقّفين والمتخصّصين. • المطرب الجيد يستطيع التصرف في اللحن أثناء التسجيل، خصوصاً إذا كان يملك من الثقافة الموسيقية ما يؤهله لذلك. • الأغنية الكويتية... أرى من وجهة نظري أنها مازالت صامدة ومازالت تتقدم وتكون لها شخصية مميزة عن بقية الألوان الأخرى من الأغاني العربية. • التراث الموسيقي والفلكلور الشعبي يجب أن يبقى كما هو ولكن يمكن أن تُجرى عليه عملية تهذيب. • فن السامري كان يمتاز بطابع خاص يختلف به عن سائر الفنون الشعبية. • الأغنية الكويتية ابتدأت بداية قوية جداً، في أوائل الستينيات، ثم في المرحلة المتوسطة من بدايتها القوية بدأت الانخفاض في المستوى. • تمتاز أغانينا بالرقصات والإيقاعات المختلفة، وهذا يعطي الأغنية الكويتية مجالاً للتطوّر السريع. • التفرّغ بالنسبة إلى الفنان الكويتي يتطلّب مجالات أكثر مما هي عليه الآن. • يجب الاهتمام بهذا الجيل من حيث الراحة النفسية ومن حيث منحه فرصة لكي يحصل على الثقافة الفنية، وفتح المجال للفنان الكويتي الذي أصبح المنافس الأول للمطربين العرب. وسام الكويت من الدرجة الممتازة وجائزة الدولة التقديرية حصل الفنان إبراهيم الصولة على تكريمات وجوائز كثيرة منها وسام الكويت من الدرجة الممتازة لتلحين وتأليف النشيد الوطني، وذلك بمناسبة احتفالات دولة الكويت بمرور 50 عاماً على الاستقلال و20 عاماً على التحرير وذكرى مرور 5 أعوام على تولي سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد مقاليد الحكم، ونال الصولة جائزة الدولة التقديرية عام 2010، وحصل على وسام الرواد من وزارة الإعلام، وجرى تكريمه في الإمارات إذ حصل على وسام التكريم من وزارة الإعلام الإماراتية عام 2001، كما كرمته جمعية الفنانين الكويتيين عام 1996. وحصل على شهادة تقدير من دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عام 2000. وفي عام 2002 حصل على شهادة تقدير مهرجان عيد الموسيقى الدولي الخامس، الذي يقيمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. وفي مجال لجان الاستماع والتصنيف وإجازة النصوص، عمل الراحل فترة طويلة نظراً إلى خبرته في الفنون الشعبية والنغم الموسيقي، وكان عضواً في اللجان التالية: • لجنة استماع الأغاني وإجازتها. • لجنة إجازة الأصوات الجديدة. • لجنة تصنيف الفنانين وتقييمهم. • لجنة النصوص الغنائية. وقدم العديد من البرامج الفنية في الإذاعة والتلفزيون ومن أبرز البرامج التي قدمها: • برنامج إذاعي «فنان وألحان». • برنامج إذاعي «من تراثنا الغنائي». • برنامج تلفزيوني «للماضي ذكريات». كما قدم كثيراً من الأغنيات لمطربين من الكويت وخارجها، فكان له علاقات متشعبة مع المطربين العرب، ومن الفنانين الذين شدوا بألحانه الفنان المصري عادل مأمون، ومن العراق غنت له المطربات مائدة نزهة وعفيفة إسكندر وأحلام وهبي، ومن لبنان هيام يونس ولينا، ومن سورية المطربة دلال الشمالي والمطرب محمد عبدالعال، ومن الأردن المطربة سلوى، ومن فلسطين الفنان فهيم السعدي، ومن تونس سولاف وزينة التونسية.

مشاركة :