على الرغم من تردده المستمر على المستشفى منذ أن كان يبلغ 16 عاما من عمره، كان أكبر مخاوف هارمون كلارك هو وجود الأنبوب الوريدي مدخلا في ذراعه. وأجرى المريض المقيم في لوس أنجليس ويبلغ من العمر 34 عاما أكثر من 30 جراحة تتعلق بمرض كروهن الذي يعاني منه، ولكن إبرة الأنبوب الوريدي لم تكن أقل إجهادا بالنسبة إليه.وقال كلارك: «أشعر بجفاف كبير بسبب مرضي المزمن، والذي يزيد كثيرا من صعوبة إدخال إبرة الأنبوب الوريدي في ذراعي. وفي إحدى المرات، حاولت 8 ممرضات إدخال إبرة الأنبوب الوريدي في ذراعي حالما كنت غارقا في البكاء بسبب الألم. ولن أتمكن من متابعة الإجراءات الجراحية حتى يتم ذلك، ولقد كان الأمر أشبه بكابوس مرير».ولذا، حاول في أحد الأيام تجربة شيء آخر. كجزء من مشروع بحثي في مركز سيدارز سيناي الطبي، كان كلارك قد تسلم جهاز الواقع الافتراضي بجانب السرير لاستخدامه عندما يشعر بالألم. وكان الجهاز مبرمجا بمحتوى ثلاثي الأبعاد ومتعدد الحواس ومصمم لتشتيت انتباه المرضى عن الألم. وضع كلارك جهاز الواقع الافتراضي على رأسه، وسرعان ما تحولت غرفة المستشفى المزدحمة إلى حديقة يلوستون الوطنية الجميلة الهادئة. واسترخى كلارك تماما حيث تمكنت الممرضة من إدخال إبرة الأنبوب الوريدي في وقت وجيز للغاية.ومنذ ذلك الحين، استخدم كلارك جهاز الواقع الافتراضي في كل إجراء طبي يقوم به من إدخال الأنبوب الوريدي، أو سحب عينة من الدم، أو الألم الكبير الذي يهاجمه بين الجرعات المقررة من الدواء وحتى في نوبات الأرق.حاولت إيرين مارتوشي، 42 عاما، استخدام جهاز الواقع الافتراضي للمرة الأولى في موقف مختلف للغاية ولكنه مسبب للكثير من الألم كذلك: وذلك أثناء المخاض. أثناء ولادة طفلها الثاني، أخبرت طبيبة الولادة أنها تريد ولادة طبيعية، من دون أية آلام أو علاجات للألم. ولكن مع تقدم مراحل المخاض لديها، بدأ الخوف والقلق يهاجمانها بشدة.تقول إيرين من نيو هامبتون في نيويورك: «كنت أشعر بأن التقلصات تهاجمني بسرعة كبيرة، وبدأت أشعر بالذعر قليلا. وبدأت في الترنح، وقلت لنفسي: يا إلهي، لن أتمكن أبدا من تحمل ذلك».وقبل الدخول في مرحلة التخدير الموضعي النصفي، عرضت عليها الطبيبة جهاز الواقع الافتراضي.وقالت إيرين إن الطبيبة وضعت الجهاز على رأسها وسرعان ما تحول الموقف إلى مشهد خلاب على الشاطئ وشعرت بالارتياح لصوت امرأة لطيف بدأ بالتنفس معي.وكان لوجود المرئيات الرائعة والصوت الرخيم أبلغ الأثر في تهدئة إيرين وإزالة القلق تماما من نفسها، وأدركت أنها يمكنها تحمل ذلك من دون التخدير النصفي. وبعد نحو ساعتين من المخاض، رفعت الطبيبة جهاز الواقع الافتراضي. وحان الوقت لإيرين لولادة طفلها. ووفي غضون دقيقة واحدة، ولدت طفلة بصحة جيدة.تقول إيرين: «سألت ما الذي يحدث؟ ولماذا ترفعون هذا الجهاز الآن؟ لأننا لم نتحدث مسبقا عما سوف يحدث، واعتقدت فعلا أنني سوف استخدم هذه النظارات أثناء الولادة أيضا! ولقد ساعدها جهاز الواقع الافتراضي خلال أكثر المراحل خوفا بالنسبة لها - كما لو لم أكن قادرة على تحمله - وولدت طفلتي من دون مساعدات دوائية على الإطلاق».يمثل كلارك وإيرين عددا متزايدا من المرضى الذين تم علاجهم باستخدام التشتيت بجهاز الواقع الافتراضي للقضاء على الآلام في المستشفيات. وجرب مركز سيدارز سيناي هذه التكنولوجيا على أكثر من 2500 مريض منذ عام 2016، وهو رقم أكبر من أي مستشفى آخر في العالم. وساعد أخصائي النساء والتوليد الخاص بالسيدة إيرين، وهو طبيب ممارس في المركز الطبي الإقليمي بمقاطعة أورانج في ميدل تاون في نيويورك، أكثر من 50 سيدة في تخفيف الآلام أثناء الولادة باستخدام جهاز الواقع الافتراضي. وعقدت شركة (أبلايد في أر)، وهي الشركة العاملة في مجال مبيعات أجهزة الواقع الافتراضي وتخلق المحتوى العلاجي الخاص بها، شراكة مع أكثر من 100 مستشفى في الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك مستشفيات إينوفا ماونت فيرنون، ومستشفى بوسطن للأطفال، ومستشفى لوس أنجليس للأطفال.وقال جيفري غولد، مدير عيادة علاج الألم لدى الأطفال في مستشفى لوس أنجليس للأطفال: «يعتبر الواقع الافتراضي جزءا من ثقافتنا في الوقت الحالي، وهو ليس جهازا غريبا بتكنولوجيا غريبة كما كان من قبل. واعتقد أن الناس ينظرون إليه كفرصة لتقديم الخدمات والرعاية الأفضل للمرضى. ويمكن لجهاز الواقع الافتراضي أن يستكمل جرعة قليلة من أدوية الألم، أو يزيل الحاجة إلى الدواء بالكامل بالنسبة إلى بعض المرضى، وهو ما سيكون الوضع المثالي».شرع الباحثون في استكشاف الواقع الافتراضي باعتباره علاجا للألم منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، ولكن المعدات باهظة التكاليف وكبيرة الحجم حالت دون استمرار الجهود واكتسابها الشعبية المطلوبة. وأنظمة الواقع الافتراضي الحالية موجودة بأسعار معقولة، وخفيفة الوزن، وأصغر في الحجم، ومريحة. والكثير يستخدمون الهاتف الذكي كجهاز للواقع الافتراضي ولعرض المحتويات، الأمر الذي يقلل كثيرا من التكاليف. والموجة الراهنة من الأجهزة الجديدة والمحسنة - إلى جانب فيضان المسكنات الطبية الذي دفع الأطباء إلى البحث الحثيث عن خيارات أفضل للمرضى الذين يعانون من الآلام - قد فجرت اهتماما متجددا في العلاج بالتشتيت عن طريق أجهزة الواقع الافتراضي.يقول برينان شبيغل، مدير أبحاث الخدمات الصحية في مركز سيدارز سيناي: «إننا مهتمون بتفهم كيفية استخدام مختلف التقنيات في تحسين تجارب المرضى بأساليب لا تستلزم المزيد من الأدوية والعقاقير، والواقع الافتراضي من بين هذه الخيارات».وحاولت عدة دراسات حديثة تقديم الدليل على أن العلاج بالتشتيت عن طريق الواقع الافتراضي يعمل بصورة جيدة. وفي عام 2017، نشر السيد شبيغل وزملاؤه نتائج اختبار تجربة منضبطة لتأثير أجهزة الواقع الافتراضي ثلاثية الأبعاد مقابل الفيديو المرئي ثنائي الأبعاد على الآلام لدى 100 مريض بالمستشفيات. وعلى الرغم من أن كلتا الطريقتين نجحتا في التقليل من مستويات الألم المتصورة، فإن المرضى الذين استخدموا الواقع الافتراضي أبلغا عن انخفاض أكبر في مستويات الألم لديهم، في المتوسط، من مجموعة الفيديو المرئي الأخرى.- خدمة «واشنطن بوست»
مشاركة :