لا تكاد تتوقف أم محمد أبو عابد من سكان حي الزيتون جنوب مدينة غزة، عن تجهيز ما لذَّ وطاب من الطعام والحلويات لأفراد عائلتها مع حلول عيد الفطر السعيد، حتى تؤمِّن لأفراد عائلتها المكونة من 12 فرداً، أكلة «الفسيخ» (السمك المملح).وتسابق أم محمد كما الكثير من النسوة في قطاع غزة، الزمن لتجهيز «الفسيخ» الذي اعتاد الغزيون على تناوله في صباح أول يوم من عيد الفطر، بهدف كسر طبيعة حالة الصيام خلال شهر رمضان.وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن منزلها يتحول إلى حالة مثل خلية النحل تعمل فيه مع ثلاث من زوجات أبنائها، على إعداد تلك الأكلة المشهورة التي يشتهيها السكان ولا تكاد تختفي عن موائد إفطارهم في صباح اليوم الأول من العيد.وأشارت إلى أن تلك الأكلة باتت شكلاً من أشكال «التراث» الذي تتناقله النسوة عن أمهاتهم اللواتي أيضاً امتهنَّ ذلك من أمهاتهن، مشيرةً إلى أن الرجال والنساء والأطفال يحبذون تناول «الفسيخ» في صباح العيد.وأوضحت أم محمد طريقة تجهيز «الفسيخ»، مبينةً أنه عبارة عن سمك متوسط الحجم يتم تنظيفه جيدا، ويتم وضع كمية من الملح عليه بناء على مقادير معينة، كما يتم وضع مقدار بسيط من «العصفر» ويتم تخزينه في «علبة» متوسطة الحجم.وأشارت إلى أنه يمكن أن يُحفظ من شهر إلى 6 شهور ويُفضل دوماً عدم إطالة المدة حتى لا يحصل أي تسمم فيه نتيجة التخزين السيئ الذي قد يتسبب فيه، مشيرةً إلى أنها تعمل كل بداية شهر رمضان على شراء «سمك الجرع» وتجهيزه لـ«الفسيخ» من أجل العيد، وقبل أيام من حلول العيد تبدأ في وضع اللمسات الأخيرة عليه للتأكد من تخزينه بشكل صحيح وأنه لم يفسد. ونوهت بأنها تعمل كمية كبيرة منه وتوزع منه على أبنائها وبناتها المتزوجات، لا سيما أن أزواجهن يشتهونه جدّاً ويحبذون تناوله كما غالبية سكان القطاع في أول أيام العيد.بينما تقول السيدة نادين أحمد أن عائلتها ترغب كثيراً في «الفسيخ»، الذي تعلمت صنعه وتجهيزه قبل زواجها منذ سنوات طويلة، من قبل والدتها، مشيرةً إلى أنها تتقنه جيداً وتعتبره من الضرورات التي يجب أن يتم صنعها قبيل العيد إلى جانب الحلويات المختلفة كـ«الكعك» و«المعمول».ولفتت إلى أن عامة المواطنين يفضلون طبقاً خاصّاً من «البندورة المقلية ببصل وفلفل أخضر» إلى جانب «الفسيخ» ما يزيد من شهية المقبل على تناول هذا الطعام.وأشارت إلى أنه بحسب ما سمعته من والدتها، فإن هذه الأكلة أصولها مصرية تعود لعام 1950، حين كانت تحكم مصر القطاع وكان المصريون يتوافدون إلى غزة، مشيرةً إلى أنه انتشر حينها بيعها وصنعها في أسواق غزة قبل أن تصبح عادةً غزية بامتياز.ونوهت في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بأن المصريين لا يقدمون على صنع «الفسيخ» إلا باستخدام سمك «البوري» فقط على غير عادة أهل غزة الذين غالبيتهم يفضلون سمك «الجرع».ويلجأ الكثير من المواطنون في غزة الذين يشتهون «الفسيخ» ولا يتقنون فن صنعه، إلى «حسبة السمك» في الأسواق لشراء «الفسيخ الجاهز» الذي يقوم بعض الصيادين بعمله خصيصاً لكسب رزقهم منه.ويقول هاشم بكر أحد الصيادين الذين يتقنون صنعه ويعمل على بيعه في سوق مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، إن العشر الأواخر من رمضان تشهد إقبالاً كثيفاً من المواطنين لشراء الفسيخ.وأوضح أن الفسيخ في غزة يُصنع من سمك «الجرع»، وأن هناك عائلات تشتري أنواعاً أخرى من الأسماك كـ«البوري» أو «السردينة» أو غيرهما وتصنعه في منازلها وتحوِّله إلى «فسيخ».وأشار إلى أن أسعاره تختلف من نوع إلى آخر، لافتاً إلى أن سمك «الجرع» الأكثر مبيعاً، وأنه لا يتم سوى اعتماده من قبل الصيادين الذين يصنعون الفسيخ لبيعه في الأسواق.ومن صور البهجة لدى سكان القطاع، إقدام الكثير من النساء على إعداد وتجهيز حلوى «الكعك» و«المعمول» وغيرها من الحلويات المنزلية.وتقول جمانة أبو مطر، إنها تجهِّز مع كل قدوم عيد كميات كبيرة من تلك الحلوى لتوزيعها على جيرانها وأصدقاء زوجها وأبنائها طواعيةً منها، مشيرةً إلى أن تجهيز حلويات العيد في المنزل يضفي عليها أجواء من الفرحة والسعادة والشعور بالعيد المبارك الذي يمر على غزة وهي تعيش في ظروف مأساوية.
مشاركة :