حين يتهم صحافي كبير في المغرب بالإتجار بالبشر والممارسات الشاذة لإخضاع قلمه

  • 6/15/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

"سيداتي.. سادتي.. التهمة الوحيدة التي أعترف بها هي أني رفضت الإتجار بالقلم ورفضت أن أدخل إلى الصف ورفضت أن أعزف اللحن الوحيد المسموح به في المشهد الصحافي في البلاد، وهو لحن مكون من المقاطع التالية: عَري عَورة المجتمع.. غطي عورة السلطة.. عارض الحكومة ووالي الحكم". بهذه العبارات خاطب توفيق بوعشرين، ناشر جريدة "أخبار اليوم" المغربية الحاضرين في ندوة "لجنة العدالة والحقيقة في قضية توفيق بوعشرين" ، التي نظمت مساء يوم السبت 9 يونيو بالعاصمة الرباط، في رسالة وجهها إلى الرأي العام الوطني والدولي من وراء القضبان؛ وهي الندوة التي عرفت حضورا وازنا ضم نخبة من الحقوقيين والإعلاميين والسياسيين المغاربة، جاؤوا لتسليط الضوء على كثير من الجوانب الغامضة والمثيرة في قضية الصحافي المغربي الشهير المعتقل منذ أربعة أشهر. المشاركون في الندوة حرصوا على بسط الخروقات التي تشوب اعتقال مدير "أخبار اليوم"، بحيث أشار النقيب عبدالرحمن بن عمرو أثناء مداخلته إلى الضمانات التي يجب أن تتوفر حتى يخصع بوعشرين لمحاكمة عادلة تحترم تطبيق القانون والحقوق والضمانات المنصوص عليها في الدستور المغربي والقانون الجنائي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة المغربية. نقيب المحامين السابق اعتبر أن قرينة براءة الصحافي بوعشرين لم يتم احترامها "لأنه اعتقل دون توفر شروط "التلبس"، في حين أن الإعتقال أمر استثنائي" ؛ لأن بوعشرين اعتقل من مكتبه مساء الجمعة 23 فبراير الماضي دون أن يكون في حالة تلبس، وهو ما أشار إليه بنعمرو الذي شدد على عدم تواجد تلبس بالجريمة يبرر الإعتقال في ملف بوعشرين. كما تحدث النقيب عن تهمة "الإتجار في البشر" التي يُتابع بها الصحافي بوعشرين، والتي قال بشأنها أنها تعني "تجارة بالبيع والشراء وحصول استغلال لنساء عبر التسول أو الدعارة أو بيع الأعضاء أو غيرها من الحالات التي ينص عليها القانون" ، مشددا على أن قانون الإتجار في البشر الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2016، ينص على أنه "لا يمكن المعاقبة بهذه التهمة إلا إذا انعدمت إرادة الضحية" ، ليتسائل:  "هل المشتكيات لم تكن لهن الإرادة لمقاومة استغلالهن؟". وتجدر الإشارة إلى أن توفيق بوعشرين، هو أول مواطن مغربي تتم متابعته بتهمة الإتجار في البشر. القتل الرمزي خديجة الرياضي،الحاصلة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للعام 2013، خصصت مداخلتها في الندوة للحديث على المحاكمة الموازية التي يخضع لها مؤسس "أخبار اليوم" في وسائل الإعلام من تلفزيون رسمي وجرائد ومواقع موالية للسلطة، حيث اعتبرت أن الهدف من وراء هذه الحملات الإعلامية هو "التأثير على القضاء والقتل الرمزي للمتهم."أقوال جاهزة شاركغردالمحاكمة الموازية التي يخضع لها مؤسس "أخبار اليوم" في وسائل الإعلام موالية للسلطة هدفها "التأثير على القضاء والقتل الرمزي للمتهم" شاركغردمسار توفيق بوعشرين المهني في المغرب قد انتهى بعد اعتقاله في فبراير الماضي؛ ليسدل بذلك الستار على تجربة صحافي لطالما أزعج القصر والحكومة والسلطات وتابعت الرئيسية السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مداخلتها بالقول أن هذه الأساليب "المنحطة" ازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة، وأن هدفها الوحيد هو استهداف أصحاب الآراء المنتقدة للنظام السياسي المغربي و"طبيعته غير الديمقراطية" على حد تعبيرها، موضحة أن اتساع رقعة "صحافة التشهير" في البلاد يرجع إلى غياب قضاء مستقل، ما يجعل ضحايا هذه الحملات غير قادرين على التوجه إلى القضاء لأن تلك المنابر التي تشن حملات التشهير "محمية" من طرف جهات في الدولة. شهادة شخصية في حق المتهم "لا أتذكر بالظبط متى تعرفت على توفيق بوعشرين، لكن علاقتي مع توفيق، كما أحب أن أناديه، هي علاقة حبية قديمة ترجع إلى بداية مشواره في ميدان الصحافة. لقد اشتغلنا معاَ لنشر بعض مقالاتي وتكلف بها وأنجز العمل على أحسن وجه وتوطدت العلاقات بيننا وحضرت حفل زفافه. أنا عرفته كشاب طموح، متدين، ومتنور في نفس الوقت؛ وهذه قَيمة بالنسبة لي، على الرغم من أن أفكاري وممارساتي مختلفة عنه، لكن الأرضية التي التقينا عليها كانت هي الجدية. وطيلة السنوات التي عرفته، لم ألمس فيه يوما بذور ما ينسب إليه اليوم. صحيح، يمكن أن يقال أن الطباع تتغير ولكن هذا التغير الجذري لدرجة ان تموت فيه النفسية عشرين مرة مستحيل، فمن المستحيل أن يتغير ليتحول إلى متاجر في البشر يقوم بممارسات جنسية شاذة. اسمحلوا لي لكن هذا كثير جدا. إنه كان يشتغل كثيرا ولا أدري كيف سيجد الوقت الكافي لكي "يتفنن" في تلك الأمور التي يتهم بها الآن." بهذه الكلمات، تحدث عبدالله حمودي، المفكر والأنتروبولوجي المغربي والأستاذ في جامعة برنستون في الولايات المتحدة الأمريكية عن توفيق بوعشرين الذي تربطه به علاقة طويلة، امتزج فيها الجانب المهني مع العلاقات الإنسانية؛ علاقة جعلته اليوم يدلي بشهادة للتاريخ في حق صديقه المتابع بتهم الإغتصاب والإتجار بالبشر. المفكر المغربي اعتبر أنه وبغض النظر عن التهم الجنسية التي يتابع بها بوعشرين اليوم، فإنه "يحاكم كصحافي ومتابعته فيها إشارة للصحافة المغربية كلها" ، مشيرا في السياق ذاته إلى تضيق مساحة الصحافة المستقلة في المغرب خلال العقد الأخير، وارتفاع وتيرة المحاكمات التي تعرضتلها كل الصحافيين المستقلين في المملكة. ولم يتردد حمودي في القول بأن هذه القضية سيكون لها "وقع على النفوس وستمس بالطبقة الوسطى" في القادم من الأيام؛ مشيراَ إلى أن "أمل طي صفحة القمع حصل نسبيا" خلال فترة الربيع العربي وحراك 20 فبراير الذي شهدته البلاد سنة 2011، لكن بعد مدة قصيرة "عاد القمع بأشكال متجددة"، وهو ما اتضح جليا في طريقة تعاطي السلطات مع حراك الريف الذي هز المغرب سنة 2017 وما تبعه من حملات اعتقال واسعة. رسالة مؤثرة لقد كانت الرسالة التي بعث بها بوعشرين من سجنه إلى الحاضرين في الندوة من أكثر اللحظات التي شدّت انتباه الحاضرين. "إن مهندس هذه المؤامرة أرادها عملية اغتيال معنوي نظيفة..أراد ذبحي ومنع الرأي العام من التعاطف معي بلا ذرف الدموع علي" ، يقول ناشر "أخبار اليوم" في رسالته المؤثرة التي تكلف شقيقه بتلاوتها على الحاضرين في الندوة. وعن ظروف اعتقاله في زنزانته الإنفرادية، قال بوعشرين إنه "منذ دخلت السجن قبل أربعة أشهر وأنا ممنوع من مخدة أضع فوقها رأسي أثناء نوم لا يزورني إلا قليلا.. وهذا الأسبوع فقط رفعوا الحظر عن الوسادة، فهل هذا مؤشر على بداية سقوط المؤامرة؟" كما تحدث بوعشرين عن الحملة الإعلامية التي تستهدف كرامته، حيث قال بأنه يتعرض إلى حملة تشهير غير مسبوقة في تلفزات الدولة "وفي إعلام متعهدي حفلات أكل اللحم البشري، بدون مراعاة قرينة البراءة" التي أكد بأن أول من خرقها هو وزير حقوق الإنسان المنتمي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي؛ مصطفى الرميد، "الذي طاف على وزراء الحكومة بمحاضر الشرطة حتى قبل أن أمثل أمام القاضي الجنائي. أي مستقبل ل "أخبار اليوم" ؟ بعد اعتقال مؤسسها، تواصل جريدة "أخبار اليوم" الصدور بشكل يومي وتقدم للقارئ المغربي منتوجا إعلاميا محترما، في زمن انتشرت فيه الرداءة في المشهد الإعلامي المغربي. وفي الوقت الذي تمر فيه الجريدة من محنة، كشفت الأرقام التي أعلنها مكتب مراقبة انتشار الصحف الورقية في المغرب، مطلع شهر رمضان؛ أن "أخبار اليوم" كانت الاستثناء الوحيد من حيث المبيعات، حيث تمكنت الجريدة من الرفع من معدل مبيعاتها اليومية بأكثر من 300 نسخة، حيث بات معدل مبيعاتها يناهز 16 ألف نسخة يوميا، هذا في الوقت الذي يعرف سوق الصحافة الورقية في المغرب انهيارا مهولا أدى إلى تراجع مبيعات جل الصحف الورقية المعروضة في الأكشاك، إذ لا تتعدى أول جريدة في المملكة من حيث المبيعات عتبة 37 ألف نسخة مباعة يوميا. وطوال هذه المدة، كانت تصدر الجريدة من دون افتتاحية توفيق بوعشرين، التي لطالما كانت تخلق الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية للمملكة، ليكون القارئ المغربي قد حرم من افتتاحياته اللاذعة، خصوصا في هذه الفترة التي تمر فيها البلاد من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تتجسد في السخط العارم الذي أصبح يعبر عليه المواطنون في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن السؤال المهم الذي يطرحه المهمتمون هو هل ستواصل "أخبار اليوم" الصدور بعد إدانة مؤسسها؟ لا أحد يملك الجواب، لكن الجميع بات مقتنعا بأن مسار توفيق بوعشرين المهني في المغرب قد انتهى بعد اعتقاله في فبراير الماضي؛ ليسدل بذلك الستار على تجربة صحافي لطالما أزعج القصر والحكومة والسلطات بكتاباته وملفاته التي كان ينشرها في أسبوعيته السابقة "الجريدة الأخرى" و صحيفته "أخبار اليوم" التي تقاوم من أجل البقاء. عمر الطالب صحافي مغربي من الرباط يتابع دراسته في كلية الحقوق مهتم بالشأن العام وله مساهمات مع مواقع مغربية عديدة. كلمات مفتاحية المغرب التعليقات

مشاركة :