وقف الفتى السيناوي «أحمد سواركة»، يقاوم حزنه المكبوت بابتسامة مصطنعة وهو يستقبل ضيوفه المهنئين له ووالدته بالعيد في قرية الروضة بشمال سيناء، من أقارب لوالده وأصدقاء لشقيقه (محمد)، اللذين استُشهدا في هجوم إرهابي على مسجد القرية العام الماضي.كان هجوم قد شهدته قرية الروضة في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نفّذه مسلحون، يُعتقد أنهم من تنظيم داعش سيناء، فيما عُرف إعلامياً بـ«مذبحة المصلين»، راح ضحيته 311 شخصاً (بينهم 27 طفلاً) كانوا يؤدون شعائر صلاة الجمعة في مسجد القرية.حُزن أحمد دفع كل أفراد عائلته ومعارف وأصدقاء إلى زيارته، للتخفيف عنه في أول عيد يقضيه دون أبيه وشقيقه، وهي عادة يقوم بها بدو سيناء، أنهم يبدأون التزاور في العيد أولاً لمن فقد أحد ذويه في أول عيد يمر عليه.قال الفتى الذي لم يتجاوز عمره الـ17 ربيعاً، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في آخر عيد قضاه والده وشقيقه معهم كانا يقفان في نفس المكان ويستقبلان المهنئين بالعيد، بينما كنت في أول النهار أقوم بإحضار الحلويات وتقديم المشروبات، ثم أنسحب لقضاء بقية يوم العيد مع أصدقائي... اليوم تغير الحال، وأصبحت مسؤولاً عن كل هذه المراسم، ولن أجد متسعاً لمعايشة فرحة العيد بعد أن أصبحت ولي أمر أسرتي المكونة من والدتي وشقيقاتي الثلاث».وأضاف أنه عقب استقباله ضيوفه، سيرافق والدته وشقيقاته لزيارة المقبرة الجماعية التي تضم شهداء المسجد وقراءة الفاتحة على أرواحهم.زيارة أحمد مقبرة «الروضة»، سبقه إليها المئات من ذوى الشهداء منذ صباح العيد باكراً، وتحول المكان الذي يضم شهداء المسجد على بُعد نحو 400 متر شرق قرية الروضة، إلى قبلة كثير من أهالي الشهداء والزائرين، جمعتهم زيارة لا تستغرق دقائق محدودة، ولا تخلو من خيانة الدموع لكثير منهم وهم يتمتمون بالأدعية بأصوات مسموعة، ترحُّماً على أرواح الشهداء، وأن يعينهم الله على فراقهم في أول عيد لهم بعيداً عنهم، يعقبها توزيع حلويات على من يحضر من الأطفال الصغار، بينهم أبناء للشهداء. وفي أقصى جنوب الشيخ زويد بشمال سيناء وفي مناطق لا تزال تشهد عمليات أمنية موسعة منذ التاسع من فبراير (شباط) الماضي، حرص الأهالي المتبقون في تلك المناطق ممن لم ينزحوا عنها على الاحتفال بالعيد في مجالسهم.وكانت قوات الجيش والشرطة قد أطلقت العملية الأمنية لتطهير شمال ووسط سيناء من المتشددين والعناصر الإجرامية أيضاً وتُعرف العملية بـ«المجابهة الشاملة... سيناء 2018». وتحولت محافظة شمال سيناء الحدودية إلى بؤرة إرهابية مشتعلة منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان، التي تعدّها مصر تنظيماً إرهابياً، وينشط فيها تنظيم «ولاية سيناء» الذي بايع «داعش» الإرهابي عام 2014.وقال حسن سليمان، من أهالي منطقة جنوب الشيخ زويد لـ«الشرق الأوسط»، إنهم لم يحرموا أنفسهم بهجة العيد رغم فقدانهم كثيراً من الأقرباء والأصدقاء، بعضهم رحل بحثاً عن الأمان، وآخرون استُشهدوا ما بين قتل برصاص عشوائي في المعارك وبين استهداف مباشر لهم من عناصر تنظيم داعش.وأضاف أن الاحتفال في المجالس باستقبال بعضهم بعضاً، وتقديم الهدايا للأطفال الصغار، وأردف قائلاً توجد مجالس كبرى للقبائل والعائلات لم تغب عنها فرحة العيد ومنها ديوان ومجلس قرية الجورة. وشهدت شمال سيناء إقامة صلاة العيد في ساحات خصصتها وزارة الأوقاف وفي عدد من المساجد، كان أكبرها ساحة صلاة العيد وسط مدينة العريش، وساحة مدينة بئر العبد، وفيها شارك مسؤولون وقيادات أمنية الأهالي الصلاة، أعقبها تقديم قوات أمنية هدايا للأطفال، وانتشرت قوات الشرطة حول ساحات الصلاة وسُمح للمصلين بدخولها بعد مرورهم من بوابات أمنية مزودة بأجهزة الكشف عن المفرقعات. وعقب صلاة العيد خرجت أسر لقضاء العيد مع أطفالهم على شاطئ مدينة العريش، بعضهم قطع المسافات مترجلاً لتعذر وجود مواصلات، وآخرون مرّوا عبر حواجز أمنية، وشغلت مقاهٍ سياحية على شاطئ البحر وقت الشباب المحتفين بالعيد، بينما انتشرت بشكل لافت قوات شرطية في شوارع المدينة في حواجز ثابتة ودوريات متحركة.
مشاركة :