«هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى؟» لكريستيان غراتالو

  • 6/16/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل يجب التفكير في تاريخ العالم بطريقة أخرى؟» هذا ما يجيب عليه أستاذ (الجيوتاريخ) في جامعة باريس، (كريستيان غراتالو)، في كتابة الذي ترجمه للعربية الهادي التيمومي، وصدر عن «مشروع نقل المعارف» التابع لـ«هيئة البحرين للثقافة والآثار»، إذ يقسم المؤلف كتابه إلى توطئة، ومقدمة وخمسة فصول وخاتمة. في توطئته يذهب (غراتالو) إلى سؤال (متى؟)، إلى جانب السؤال المعتاد (أين؟)، فهو لا يقتصر على سؤال «لماذا هنا وليس في مكان آخر؟»، بل يتساءل «لماذا في تلك اللحظة بالذات وليس في لحظة أخرى؟»، ومن خلال هذا المزج يهدف الكتاب «لتسليط ضوء مغاير على عالمنا المعاصر وعلى بشريتنا المعولمة، وهما في آنٍ واحد وعيان بمصيرهما المشترك وبتشظيهما إلى نزعات خصوصية متواجهة».يؤكد (غراتالو) بأن «ما نسميه اليوم عولمة (...) هو أولا تغير ذهني. إن ما هو جديد فعلا ان البشرية أصبحت تفكر اليوم في نفسها بطريقة جماعية وتعمل النظر في تغيرها وهو بصدد الحدوث»، مبينًا «لم يعد عالمنا مختزلاً في تجاوز رؤى للعالم متمحورة كلها حول الذات، بل أصبح عالما يسكنه الوعي بكونه كلاً عضويًا».وفي فصله الأول «البشرية، تلك المفرد الجمع»، يتخذ (غراتالو) مدخلاً تأكيديًا يؤصل فيه لمسألة كون البشرية واحدة، «ومع ذلك فإن المجتمعات كثيرة ومتنوعة»، ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني ذلك أن البشر بخلاف سائر الكائنات - عدا التي نشروها بأنفسهم كالنباتات والحيونات الأليفة والمدجنة، أو تلك المنتشرة لا إراديًا - «ظلوا هم أفهسم في كل مكان».يعد الإنسان حيوانًا ذو قدراة كبيرة على التنقل، «إن شخصًا بالغًا بإمكانه يوميا قطع قرابة الثلاثين كيلومترا بحمولة تقارب العشرين كيلوغرامًا»، وبذلك يؤكد (غراتالو) «من المعقول إذا ان نتصور أن تحركات المجموعات البشرية كانت عموما، بالنسبة إلى المسافات الطويلة، بطيئة جدا. ومع ذلك، فإن تحرك البشر يظل أمرًا مهمًا: إن مجتمعًا من الصيادين الجماعين الذي يستبدل كل سنة منظقة بأخرى على مسافة تقارب الخمسين كيلومترًا، يقطع على رغم كل شيء خمسة آلاف كيلومتر في ظروف قرن»، هذا يجعل من مسألة حضور البشر في كل مكان من الأرض، باستثناء المتجمدة الجنوبية وبعض الجزر، واقعا قبل انطلاق العولمة.وهذا بضرورة الحال أوجد تنوعات مجتمعية، إذ «توجد ميزة أساسية للمجتمعات هي في آنٍ واحد عامل تشتتها وتنوعها، وهي قدرتها على الاستقلال عن الأوساط التي تعيش فيها»، وهذا ما يفسر هذا الكم الهائل من التنوع المجتمعي، الذي أنتجه الزمن طوال تحركه للأمام.ويسهب (غراتالو) بهذا الفصل، في إثبات وحدة البشرية، متطرقا إلى الأدلة التي تدل على هذه الوحدة، سواء تلك التي يستمدها من القرابة البيولوجية، أو الأصول اللغوية، أو حتى تلك التي أسهمت في خلق تشكلات مجتمعية لاحقة، بيد أنها تشير إلى الأصل المشترك بشكل ما، «بإمكاننا أن نلخص بتعسف شديد تاريخ البشرية بالإشارة إلى المرور من الواحد إلى المتعدد وإلى المتنوع، ثم إلى النزعة المتمثلة في إعادة نسج العلاقات على مستوى البشرية»، ولذلك لا يغفل (غراتالو) من خلال دراسته عوامل التوحد، إلى وجود عوامل أدت إلى تنوع المسارات، وخلق مجتمعات.وهذا ما يركز عليه في فصله الثاني «فضاءات – أزمنة مسترابة»، إذ يبين بأن ما يقابل تعدد المجتمعات «عدد مماثل من السرديات، الأمر الذي يفرز خريطة من التواريخ»، وفي هذا الفصل يعالج تواريخ الأزمنة الجغرافية، من خلال مساءلة هذه الأزمنة، منتقدا التقسم الرسمي للتاريخ الأوروبي الذي فرض على العالم، ليخلص إلى ضرورة اليقضة في معارضة المسكوت عنه، «ولكل التقطعات التي تبدو كأنها بديهية جدا»، إذ يذهب إلى إمكانية «التسليم بأن المقولات المخترعة من مراحل وأجزاء من العالم أو أقيسة مفترضة للواقع، هي مقولات متجانسة وأنها ميادين إعادة إنتاج حقول عمل بالنسبة إلى صندوق الأودوات، فمقولات مثل (العالم) أو (العالم المأهول) لا يمكن أن تمتنع على النقد، إذ لا قيمة لها إلا تاريخيا، أي أنها مموقعة جغرافيا، وهي لم توجد دائما وفي كل مكان»، مبينا «إن ارساء المستوى العالمي، أي النسيج الذي يربط البشرية كلها، لا يستمد قيمته إلا من خلال الحوار مع التشضيات التي تتخلله»، فالعولمة كما يؤكد تفرض عولمة مضادة.وينتقل (غراتالو) في الفصل الثالث «نهاية رواية عالمية»، إلى نقد الإطروحات التاريخية التقليدية للعالم، «إن البعد الأحادي الخط، أي رسم المسار الجغرافي من سومر إلى أوروبا الغربية هو بتر لجل الفضاء الذي ارتاده السكان الحركيون في العالم القديم»، وبطبيعة الحال، لا يقتصر نقد (غراتالو) على هذا المسار الخطي، بل يتجاوزه إلى نقد الروايات القومية، وتلك القارية، بالإضافة للرواية (العالم)، التي ترسم تواريخا بشكل أحادي، بمنأى عن العوامل والتداخلات التي شكلت هذا التاريخ، متطرقا إلى ما أحدثه (إدوورد سعيد)، في نقده للاستشراق، وفتح أفاق جديدة، كانت مبهة على سارد التاريخ الاستشراقي التقليدي.وبذلك يدعو (غراتالو) إلى «التفكير مليا في إمكانات قيام تاريخ على مقياس البشرية»، أي «سردية إنسانية أكبر من سردية العالم»، منوها إلى أن قيام هذه المسألة يمكن أن تبدو «وكأنها خارج الحقل العلمي بأتم معنى الكلمة، وإن كانت بلا شك في المقام الأول ذات أهداف مدنية وهي أهداف موطني (العالم)، فالقضايا البيئية الملحة على مستوى كوكب الأرض والتي تزداد خطورة، تعزز من ضرورة هذا الوعي الذي يتجاوز بكثر تلك المواطنة العالمية التي يمكن أن تبدو ملائكية جدا».في الفصل الرابع «ديناميكية المقياس»، يشرح (غراتالو) مجموعة من المجتمعات المختلفة، ليبين بأنه «كلما ازداد التعقد كانت التاريخيانية إلى جانب الديناميكية، أي إلى جانب التحول والتغيير. وعلى العكس من ذلك، كلما كانت المجموعة الاجتماعية تنزع إلى عدم التعقيد (...) اتخذت التاريخانية شكل إعادة الإنتاج»، ويفهم من ذلك بأن «حركة التوتر نفسها بين قطبين لا يستطيع أي تشكل تاريخي أن يجسدها تجسيدا مقنعا»، وهذا ما يعتقد (غراتالو) بأنه من حسن الحظ، إذ لا يوجد إلا في «اليوتوبيات»، حيث «تنزع المشاريع الطوباوية الأكثر بداهية، من المدينة الأفلاطونية حتى اندثار دولة الحلم الشيوعي، إلى مثال أعلى قائم على التبسيط والتوحيد. وقد ظهر الكثير من الفاعلين من محاكم التفتيش إلى الخمير الحمر الذين حاولوا إعادة صنع شعب يتصف بالكمال، إلا أن اليوتوبيا العكسية أي فقدان النظام، لا تقل خطورة. لقد وجدت الفردانية المدفوعة إلى أقصاها في حركات ألفية أخرى، ومثلت شكلا اقصى للحلم بمجتمع ليبرالي من دون دولة ومن دون قانون، حيث لا يكون لحرية الوجود ما يكبحها، بما في ذلك كبح احترام حرية الآخرين». لهذا يوجز (غراتالو) إطروحته بالقول «كلما كان التقعيد شائكا، كانت التاريخانية قوية، والعكس صحيح أيضا».«التراثات الهجينة»، هو عنوان الفصل الخامس، الذي يؤكد فيه (غراتالو) بأنه «لا يمكن التاريخ العالمي أن يكون مجموع أجزائه، والجهد المبذول لبنائه لا مفر منه»، مضيفًا «ليس ذلك لمسائل فكرية تتعلق بفهم كل مجموعة فرعية العالم المأهول فهما نسبيا، وإنما كذلك للتفكير في هويتنا المشتركة».يرى (غراتالو) بأن «أخذ كل الموروثات (العالمية) في الحسبان لا يعني أن تضع كلا من بنى (العالم) في الاعتبار فحسب. وإنما كذلك عدم نسيانما دمره (العالم)»، وعلى ذلك يحذر من النظر لعمليات التهجين المجتمعية (ما بعد العولمة وعصر الاتصال)، بوصفها الحالة التهجينية الوحيدة، إذ «لا يمكن ذاكرة (العالم) إلا أن تكون صيرورة شاملة من التهجين اعمادا على أوضاع كل طرف في التاريخ العالمي».وفي الختام «من سيكتب تاريخ العالم؟»، يؤكد (غراتالو) «لقد بني العالم على جماجم عشرات ملايين الأمريكيين (الأصليين) الذين قضوا بالأوبئة، وملايين الأفارقة المهجرين قسرا إلى ما وراء الأطلسي ليعيشوا حياة فظيعة، وشعوب في كل مكان من الأرض سحقتها شعوب أخرى وليس الشعوب الأوروبية فحسب»، لهذا «يجب التذكير بكل هذا، والتذكير في الوقت ذاته بأن الأمر قد تعلق، فضلا عن الاحتقار والمذابح، بلقاءات وتعلميات متبادلة وإبداعيات جديدة وإثراء للمجتمع».ولهذا يدعو (غراتالو) لتبين صيغة التراث العالمي للبشرية، ولنشر فكرة «جماعة المواطنين»، في أزمنة البحث عن الهوية كما يصفها، محذرًا «علينا أن لا نخطئ المستوى، وإلا تعثرنا في درجة من سلم (العالم) وهي الدرجة العليا». النظام المعرفي للعلوم الإنسانيةتأليف: رايس زواويهذا الكتاب ليس الغرض منه الوقوف عند تجليات الإختلاف وعرض المباحث التي تم التوصل إليها في العلوم الإنسانية، وفي النظام المعرفي لهذه العلوم، وإنما الغرض بحث أهم النقاط والقضايا التي تمت والمتجلية في إنتاج الخطاب بإضفاء قراءة جديدة... إدوارد سعيد، الانتفاضة الثقافيةتأليف: إيف كلفارونيعتبر هذا الكتاب، بحسب مقدمة المترجم، إضافة نوعية لتسليط الضوء على مسار إدوارد سعيد الثقافي الذي طالب دوما بنزعة أنسانية ما بعد أوروبية عابرة للقارات، تؤمن بالفعل الإنساني وتدين الإقصاء مع انفتاح شامل على منابع المعرفة الإنسانية. الفناء في الإنسانتأليف: هالة العورييعرض هذا الكتاب نماذج لكبار الصوفية، الذين تركوا تراثا إنسانيا معمقا، لا يزال يلهم الباحثين برؤى جديدة في قسميه النظري والفلسفي، ويحسب لأصحاب هذه النماذج اهتمامهم بجوهر الإنسان، وإشاعتهم الحب والتسامح وتقبل الآخر، ودعوتهم للتحلي بأخلاق الله.

مشاركة :