أرسلت أمس رسالة سلام وأمل بصوت ستيفن هوكينج على شكل إشارة راديوية أخذت من خطاب دعا فيه العالم البشر إلى «رصّ الصفوف لإنقاذ الكوكب»، خلال مراسم دفنه في مقبرة كاتدرائية ويستمنستر، بمشاركة مشاهير وعلماء ورواد فضاء وأشخاص من العالم بأسره.أتت ديبورا تريفينو (65 عاماً) من لاس فيجاس مع زوجها؛ للمشاركة في المراسم. وقالت إن العالم البريطاني الذي كان يعاني إعاقة كبيرة «كان من العباقرة الذين يجب تذكرهم على الدوام».أرسل التسجيل للصوت الآلي لهوكينج إلى الفضاء تزامناً مع مواراته الثرى في لندن. ودفن في مقبرة كاتدرائية ويستمنستر إلى جانب العالمين نيوتن وداروين. وقال مارك ماكوجرين كبير المستشارين العلميين لدى وكالة الفضاء الأوروبية التي أشرفت على هذه العملية، «إنه خطاب مؤثر جداً». وبطلب من مؤسسة هوكينج وعائلته والمؤلف الموسيقي اليوناني فانجيليس، تكفلت وكالة الفضاء الأوربية بالشق التقني من عملية إرسال هذا التسجيل إلى الفضاء. ويشمل التسجيل معزوفة جديدة لفانجيليس المتخصص بأسلوب الموسيقى الإلكترونية، تشكل خلفية للصوت الآلي لهوكينج. وهو يمتد على ست دقائق تقريباً، نصفها مع صوت عالم الفيزياء الفلكية الذي توفي في الرابع عشر من مارس/ آذار الماضي عن 76 عاماً، بحسب مارك ماكوجرين. وأخذت هذه الرسالة من خطاب ألقاه هوكينج قبل بضع سنوات، وهي مشفرة بنسق معياري مع بيانات ثنائية. وأرسلت الإشارة الراديوية خلال نصف ساعة تقريباً وقت إقامة مراسم الدفن في لندن. وعندما ستصل إشارة الرسالة إلى الثقب الأسود خلال 3500 سنة ضوئية، ستكون ضعيفة جداً. فالمبادرة هي لفتة رمزية، على حد قول مارك ماكوجرين. وأرسلت الإشارة عبر هوائي مكافئ تابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالقرب من العاصمة الإسبانية، إلى أقرب ثقب أسود من الأرض. ووجه الهوائي نحو الثقب الأسود المعروف ب «1ايه 0620-00» الذي اكتشف سنة 1975 على بعد 3500 سنة ضوئية من الأرض، بحسب ماكوجرين. وقالت لوسي ابنة هوكينج: إنها لفتة طيبة ورمزية تقيم علاقة بين مشوار والدنا على هذا الكوكب ورغبته في السفر إلى الفضاء وأعماله لاستكشاف الكون. وأوضحت: إنها رسالة سلم وأمل حول أهمية التعايش والوئام على هذا الكوكب.عرف هوكينج خصوصاً بأعماله حول الثقوب السوداء وأصول نشأة الكون. وسطع نجمه سنة 1988 بعد نشر كتاب «ايه بريف هيستوري أوف تايم» الذي بسط فيه أبرز مبادئ علم الفلك، كالانفجار الكبير والنظرية الخيطية. وكان هوكينج يعاني التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي انتكاسي يصيب الخلايا العصبية الحركية لدى الشخص البالغ، وتسبب له بالشلل، وجعله لا يستطيع التكلم إلا بواسطة جهاز كومبيوتر بصوت اصطناعي تحول إلى سمة مميزة له. ولم تمنعه هذه الإعاقة من أن يصبح أحد أهم العلماء المعاصرين، ويتحدى التوقعات التي لم تكن تمنحه سوى بضع سنوات من الحياة بعد إصابته بالمرض العضال. وكان له معجبون عبر العالم من خارج الأوساط العلمية وفيزياء الفلك؛ بسبب عبقريته وحسه الفكاهي، وكان البعض يقارنه بآينشتاين ونيوتن. وأثارت وفاته سلسلة من التنويهات نادراً ما منح مثلها لشخصية علمية، أبرزها من الملكة إليزابيث الثانية والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). وتشكل مراسم دفنه المهيبة هذه تحية لمساهمته في الأبحاث العلمية، وأيضاً لمثابرته على تحدي المرض. وقال أولاده الثلاثة لوسي وروبرت وتيم: «نحن ممتنون جداً لكاتدرائية ويستمنستر التي شرفتنا بهذا التكريم لذكرى والدنا ومسيرته المذهلة، وأن تقدّم له مثوى أخيراً رفيعاً لهذه الدرجة». حضر المراسم أيضاً نحو ألف شخص من أكثر من مئة بلد، اختيرت أسماؤهم في سحب قرعة على الإنترنت، شارك فيه 25 ألف شخص. وألقى كلّ من عالم الفضاء البريطاني تيم بيك، وعالم الفلك مارتن ريس، والممثل بينيدكت كامبرباتش الذي أدى دور هوكينج في فيلم تلفزيوني، وأعار صوته لأفلام وثائقية أعدها العالم، خطباً تأبينية خلال المراسم، إلى جانب الباحث الأمريكي كيب ثورن الحائز جائزة نوبل سنة 2017 الذي تعاون مع هوكينج. ومن بين المدعوين أيضاً ثلاثة شبان يستخدمون جهازاً إلكترونياً للتكلم، مثل حال هوكينج. وقال جيسون فيلس (20 عاماً) الذي يتحكم بجهازه بواسطة حركة عينيه: كان مصدر إلهام لي كي أبذل قصارى جهدي، وكي لا أستسلم بتاتاً. ووضعت شاهدة على قبر هوكينج تحمل أشهر معادلاته حول الثقوب السوداء مع صورة لثقب أسود.
مشاركة :