لقد كانت لفتة كريمة من حضرة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، ذلك التوجيه السامي بتسمية كلية للدراسات الإسلامية باسم المغفور له -بإذن الله- سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة؛ وذلك تقديراً لجهود سموه الكبيرة والعطاءات المباركة التي قدمها في مسيرته الطويلة من حياته، وهي سنة حميدة وتوجيه مبارك ليس غريباً على عاهل البلاد المفدى ليظل الناس على ذكر لهذا العلم من أعلام البحرين، وتعزز الصبغة البحرينية في المدرسة الشرعية الفقهية وتكون امتداداً لعلمائها الأجلاء وفقهائها الكرام. فجهود سمو الشيخ عبدالله بن خالد الرائدة في خدمة الوطن ليست من ذلك النوع الذي يمكن أن يمضي هكذا، بل هي جهود ظاهرة للعيان، وتركت بصمات واضحة في قطاعات مهمة وفي مراحل مختلفة من تاريخ مملكة البحرين، حيث كرّس رحمه الله حياته لنشر قيم الإسلام الحنيف، وله إسهامات مؤثرة في مجالات متنوعة قضائية وتنظيمية وإدارية وإنسانية واجتماعية، فضلاً عن شمائله الفاضلة، وما اتصف به سموه من حكمة وسداد في الرأي وسماحة نفس وكريم خصال، كان بها سموه موضع ثقة وتقدير من مختلف فئات الشعب وجميع طبقاته.. تتجسد في مجلسه العامر الذي شرفت بحضوره، فقد كان هذا المجلس نموذجًا في التواصل مع الناس، والحفاوة برواده. فسيرة الفقيد حافلة وزاخرة بالبذل والعمل المخلص من دون كلل لأجل رفعة الوطن من أي موقع وفي أي مكان عمل فيه سموه، ومن هنا فقد كانت له بصمات واضحة في تطوير العمل والتشريعات في المحاكم والشؤون الإسلامية والأوقاف وأموال القاصرين، كما رأس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومركز عيسى الثقافي، وأحدث تغييرات نوعية وطفرات حقيقية في العمل والأداء وحقق إنجازات وترك آثارا ستظل باقية لا يمكن لنا أن نحصيها في هذه الكلمات، إلا أنه كان لازما ليبقى أثره وذكره في المجالات التي شغلها وقضى حياته معها، ولهذا كان هذا القرار السديد لعاهل البلاد المفدى -حفظه الله- بإنشاء كلية للدراسات الإسلامية تحمل اسم سموه -رحمه الله- رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته. وفي هذا السياق، أتشرف بأن أضع بين يدي جلالة الملك المفدى -أيده الله- والمعنيين بعض المقترحات والرؤى التي أراها ستسهم بمشيئة الله تعالى في تحقيق المزيد من الأهداف النبيلة ولتأخذ هذه الكلية دورها وتحتل مكانتها بين نظيراتها في مختلف أرجاء العالم الإسلامي ويتردد صداها في المحافل العلمية والشرعية الدولية؛ وتعزز قيم الوسطية، في أعلى درجات الجودة، وأرقى أساليب التدريس. إنّ أبرز ما نحتاج إليه في الكليات الشرعية بعد التكوين العلمي المعرفي لطلبة العلم الشرعي حتى يكونوا على درجة من التمكن، وتوظيف الكوادر الوطنية، النظر إلى الجوانب العملية التي تخدم احتياجات المجتمع في المجالات القضائية والشرعية والإدارية والبحثية، لذلك أقترح: أنّ يضم الى عمل الكلية بعض الدبلومات المتخصصة، من ذلك دبلوم متخصص في الإفتاء إذ نحن بحاجة ماسة إلى وجود مفتين في مسائل عصرية وواقعية تستمد من أصالة الشريعة ونصوص الوحيين وتكون على دراية في تصور الواقع، مع الالتزام بضوابط وقواعد الإفتاء، إذ إننا نفتقر الى وجود مفتين رسميين يجيبون عن فتاوى العامة عبر مؤسسات رسمية. إعداد دبلوم متخصص في إدارة المساجد، يختص بالمواد التي تعزز رسالة المسجد، وتعين الإمام والخطيب والداعية على أداء المهام المنوطة بهم، وذلك في مواد تلامس الواقع. كذلك نحن بحاجة الى دبلوم أو ماجستير في القضاء الشرعي، كما هو الحال في بعض البلاد الإسلامية. وفي المجال الخيري نحن بحاجة إلى عدد من المتخصصين في مجال الوقف والزكاة، لمواكبة ما حدث بهذين المجالين من تطور معرفي في التقعيد والتأصيل يجمع بين الممارسة العملية الإدارية والأحكام الفقهية، وقد عقدت لها دبلومات متخصصة في بعض الدول. إصدار مجلة شرعية محكمة للدراسات المتخصصة تخدم الواقع وتبحث في مجالات المعرفة المختلفة، وتحفز الباحثين وتفسح لهم المجال لتوسيع معارفهم. توقيع اتفاقيات التعاون من أجل التنسيق والتعاون مع كليات الشريعة في العالم الإسلامي ونقل الخبرات والمعارف. أن تقوم الكلية بعقد الندوات العلمية العالمية في قضايا واقعية تبحث فيها من أصول ومنطلقات شرعية، يشارك فيها نخبة من العلماء من مختلف أرجاء العالم الإسلامي. فتح المجال لطلبة العلم وناهلي المعرفة من دول العالم للاستفادة من الكلية، وبذلك تحمل معهم اسم مملكة البحرين. أن تضم الكلية في جنباتها مكتبة غنية ومتنوعة من الكتب، ووثائق تاريخية، وأقترح نقل مكتبة سموه الخاصة إلى مبنى الكلية والتي ذهب جزء كبير منها إلى مركز عيسى التقافي؛ وذلك بالتنسيق مع المركز. وضع مناهج معتمدة خاصة لتحقق الأهداف التي تصبو إليها. وحتى تقوم الكلية بدروها تحتاج الى مبنى مستقل تنطلق منه، ومتكامل ومجهز بأحدث الوسائل، إلا أن ذلك لن يكون عائقا أمام البدء في المشروع. إن بعض هذه المقترحات قد يكون سابقا لأوانه، إلا أنها مهمة لإنجاح هذه المشروع والريادة فيه، لتتوافق مع مستجدات العصر، ومقتضيات الواقع، وفق المنظور الشرعي، سائلاً الله عز وجل أن يجعل هذه الكلية شعاع نور يضيء من هذا البلد ويصل إلى بلاد العالم الإسلامي.
مشاركة :