لم يكن الموقف السعودي الاستثنائي أخيراً تجاه الأردن عبر القمة الرباعية التي دعا لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من قصر الصفا بمكة المكرمة في العشر الأواخر من رمضان، هو الأول للملكة العربية السعودية وتحديداً في مثل هذه الأزمات الحرجة التي قد تمر بها بعض الدول العربية الشقيقة، إذ سبق للسعودية وأن اتخذت العديد من المواقف التاريخية التي أنقذت دولاً شقيقة من كوارث عظمى حلت بها وكادت أن تعصف ليس باقتصادها وأمنها واستقرارها فقط، بل وحتى بوجودها كدول. ولعل تحرك اللحظات الأخيرة والحاسمة أصبح سمة سعودية تؤكد على أمرين مهمين واستراتيجيين إلى أبعد الحدود.. الأول: هو إتباع سياسة النفس الطويل والروية والحكمة وإعطاء الوقت الكافي (حتى وإن طال) لكل الحلول والمفاوضات والتفاهمات من أجل التوصل للحل المنشود الذي تطمح إليه وتتطلع إلى تحقيقه لمصلحة كل الأطراف وفِي مقدمتها الشعوب قبل الحكومات وبما لا يتعارض مع الحقوق الشرعية والإنسانية التي تحكمها سلسلة من المبادئ التي نشأت عليها السياسة السعودية منذ تكون الدولة وإلى اليوم، لدرجة كان هناك الكثير من السذج والسطحيين والمستجدين على الفكر السياسي يؤوِّلون هذه الأناة السعودية إلى أنه ضعف وتراجع في القدرة وفِي الدور وفي القرار. ثانياً: المحور الأهم وهو الذي يمثل الخطة الاستراتيجية البديلة في حال عدم نجاح المحور الأول بحيث يتجه القرار السعودي هنا بعد استنفاد كل السبل إلى إجراء فوري حاسم ومفاجئ للقريب قبل البعيد وعلى كل الصعد، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم عسكرية. ولعل الازمة الاقتصادية العاصفة التي حلت بالأردن أخيراً كانت تمثل إحدى هذه المواقف التي وصلت لمرحلة حرجة جداً لم يجد أمامها الملك سلمان إلا التحرك الفوري للتدخل والإعلان عن قمة فورية جمعت ملك الأردن بقادة الدول المانحة وعرضت الأزمة على الطاولة ووضعت لها الحلول العاجلة التي سحبت فتيل أزمة كان الله وحده أعلم بما قد يحصل على إثرها. ومثل هذا الموقف هو امتداد للموقف السعودي من الأوضاع في اليمن والتي جاء التدخل التاريخي فيها لينقذ اليمن وشعبه من حرب أهلية لا تبقي ولا تذر تحت إشراف وسيطرة كاملة للنظام الإيراني الذي وظف الميليشيات الحوثية لتنفيذ مخططاته الإجرامية. ونستذكر في ذات الوقت الموقف السعودي أيضا من الأزمة التاريخية في مصر وتحركها الأخير الذي حفظ للبلاد أمنها ووحدتها بعد أن دخلت مرحلة خطرة جدا من الانفلات الأمني والسياسي والاقتصادي، وليس الموقف من أحداث البحرين ببعيد، فلولا القرار التاريخي بتحرك القوات السعودية بعد منتصف تلك الليلة المشهودة لربما كان الصفويون يديرون حركة المرور صباح اليوم التالي في قلب المنامة. إن هذه الديبلوماسية السعودية بشقيها الناعم والخشن مع العديد من الدول الشقيقة تؤكد أن لا هدف ولا شروط مسبقة تضعها الرياض مقابل عون ونجدة أشقائها، بدليل أن الأردن سبق لها وأن رفضت المشاركة في التحالف العربي واستقبلت أخيراً وزير خارجية قطر بعد أيام من قمة مكة، وحتى مصر كان لها في الأمم المتحدة مواقف عدة لم تكن متناغمة مع الموقف السعودي، وكذلك الموقف نفسه من السودان ومع ذلك كانت العلاقات الأخوية الصادقة من جانب السعودية تسمو فوق كل الاعتبارات. فقط بقي أن أقول أن صبر السعودية ليس متاحاً للاختبار أبداً.. فالحليم يصبر.. ويصبر.. ويصبر.. ولكن إن غضب فلن يرضى! khaliddarraj@
مشاركة :