شيماء المرزوقي أردنا أو لا، رغبنا أو رفضنا، العالم يتجه نحو التشابك بشكل أكثر، وتقترب أطرافه بعضها من بعض، وهموم المجتمعات التي كانت معزولة في الجبال وبعيدة بآلاف الأميال باتت حاضرة ومشاهدة للجميع. هموم هذه الأمة وتطلعاتها، أو تلك الأمة، باتت مشاعة والجميع يعرفها، ولم تتجاوز الحقيقة تلك الكلمة التي يقال فيها، إن العالم بات قرية صغيرة، ورغم أنه تم ترديدها منذ أول رنة للهاتف الثابت ومع أول إشارة للبرق، لكنها تكتسب اليوم مصداقية أعظم؛ مصداقية لا تقبل التشكيك ولا الظن ولا الاحتمالات، العالم قرية صغيرة، ليس في مجال حياتي واحد فقط؛ بل في كل تفاصيل الناس.نرى كل مجتمع ونعرف عنه طرق حياة أفراده، وطبيعة معيشتهم وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم، في السابق كنا نسافر ونتعرف إلى تلك البلاد البعيدة عنا، اليوم قبل سفرنا نتعرف إلى كل بلد ننوي زيارته بالصوت والصورة، ونتعرف إلى ثقافة المجتمع وهمومه ومستواه المعيشي، واهتماماته ومنجزاته وغيرها من الجوانب التي قد تساعدنا على أن تكون زيارتنا السياحية أو العلمية أو العملية ناجحة وسعيدة. هذا التقارب المهول جعل الثقافات في تداخل وانتقال، وسمح بتطور مجتمعات وفهم أخرى. وأعتقد أن المجتمعات التي ستنجح وتكون لها القوة، هي تلك التي تضع التسامح في صدارة أولوياتها واهتماماتها؛ لأن الرفض والتشنج والمقاومة لم تعد تجدي أمام كل هذا السيل المعلوماتي. الحل المناسب والأمثل هو تقبل تلك الثقافات الواردة، ثم إعادة إنتاجها مرة أخرى، وقد تم تطعيمها بوجهات نظرك وآرائك وعاداتك. لم تعد مقولات الرفض وإجراءات الممانعة والخوف على الثوابت تفيد، أو أنه سيكون لها صدى. ولا أقول بالتخلي عن العادات القويمة ولا المثل الراسخة، ولا ترك كل جميل توارثناه من الآباء والأجداد، ولكنني أقول: لتكن هذه الثوابت دافعاً لنشرها وتطويرها، وتقديمها للعالم وللمجتمعات المختلفة.وبما أننا نستند إلى تاريخ عميق وكل هذه الخصال العظيمة، فلا خوف عليها؛ لأن الناس من كل مجتمع سيقبلون عليها، والذي أشير إليه تحديداً؛ هو أن كل هذا الوهج المعرفي الذي نعيشه هو خير لنا ولمختلف الشعوب على الأرض، لعله يسهم في تغذية روح الحوار والتفاهم بين الأعراق والشعوب، لعله يخفف وطأة الخوف من الآخر لدى شرائح ليست قليلة، ولعله يسهم في إزالة ترسبات الفهم الخاطئ من عقول الكثير من الناس. Shaima.author@hotmail.comwww.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :