خسارة والإفلاس: وتعود شركة فنار فيلم إلى الإنتاج بعد مُضي عشرة أعوام من التوقف، لتنتج فيلم (زهرة السوق ـ 1947) وهو من إخراج «حسين فوزي»، إنما أكمل إخراجه المونتير «كمال أبو العلا»، وكتبت «بهيجة حافظ» قصته وعهدت إلى «إبراهيم حسين العقاد» بكتابة السيناريو والحوار، وقامت فيه بدوري «بهيجة» و»زهرة» مع «أحمد منصور» و»كمال حسين» و»علوية جميل» و»عبد الفتاح القصري»، واشترك فيه بالغناء المطرب اللبناني «وديع الصافي» عندما كان مطرباً مغموراً، وضم الفيلم مجموعة من الأغنيات قامت «بهيجة» بتلحينها، إضافة إلى وضع الموسيقى التصويرية.. وبالرغم من أن الفيلم قد ضم مجموعة من كبار النجوم والوجوه الجديدة، إلا أن الحظ في النجاح لم يحالفه، وكان سبباً في خسارة «بهيجة حافظ» وإشهار إفلاسها، في ذلك الوقت، وكانت بالفعل صدمة كبيرة لها جعلتها تتوقف نهائياً عن الإنتاج السينمائي، لتكون نهاية مؤسفة لقصة كفاح رائدة من رائدات السينما المصرية، ولم تظهر مرة أخرى في السينما ألا في دور قصير من فيلم (القاهرة 30 ـ 1968)، وذلك عندما اختارها المخرج «صلاح أبو سيف» لتقوم بدور الأميرة السابقة «شويكار». صحيح بأن «بهيجة حافظ» قد ابتعدت عن السينما، إلا أنها قد عاودت نشاطها الفني الموسيقي.. فقد أنشأت سابقاً، وفي عام 1937 أول نقابة عمالية للموسيقيين وظلت هذه النقابة قائمة حتى عام 1954.. كما أنشأت صالونها الثقافي الخاص عام 1959، والذي كان له نشاط ثقافي وفني بارز في تلك الفترة، وكان ذلك قبل أن يداهمها المرض في السنوات الأخيرة.. فقد ظلَّت طريحة الفراش لسنوات طويلة، لا يطرق بابها إلا القليل من معارفها، حتى اكتشف الجيران وفاتها بعد يومين من حدوث الوفاة.. وقد شُيعت لمثواها الأخير دون أن يمشي في جنازتها أحد من الفنانين. الرحيل في صمت : رحلت «بهيجة حافظ» في صمت، بعد أن عاشت شبابها بين أضواء النجاح والشهرة، وهي التي جعلت من بيتها مزاراً لمحبي الفن والأدب والموسيقى، وكثيراً ما استضافت الوفود الأجنبية من الفنانين والكُتّاب واحتفت بهم في بيتها هذا، إلى أن حولته فيما بعد إلى جمعية ثقافية استمر نشاطها حتى رأت حلها في عام 1968. ولقد كان بيتها يضم مكتبة كبيرة ونادرة يقدر عدد ما بها من مؤلفات بنحو خمسين ألف كتاب، من مختلف الآداب والفنون العالمية، كما كان بحوزتها ثلاثة آلاف مؤلَّف موسيقي وأندر النُّوت الموسيقية للأعمال العالمية، ومجموعة نادرة من كتب القانون والتاريخ والفلسفة باللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، والتي كانت تتقنها جيداً.. كما كان بيتها يعتبر متحفاً يضم أندر الآلات الموسيقية واللوحات النادرة.. وعاشت سنواتها الأخيرة ـ قبل المرض ـ تقرأ وتكتب المقالات بالفرنسية وتبعثها للصحف في الخارج. وبالرغم من أنها بدأت حياتها بالتأليف الموسيقي، وكانت أول مصرية تُقبل عضواً في جمعية المؤلفين بباريس، وتحصل علي حق الأداء العلني لمؤلفاتها الموسيقية، إلا أننا لا نجد الآن أية تسجيلات لهذه المؤلفات. هذه هي «بهيجة حافظ»، الفنانة الشاملة، والتي تعددت نشاطاتها في ميادين فنية شتى، وتعددت مساهماتها الإبداعية بين التأليف الموسيقي والسينمائي والإنتاج والإخراج والتمثيل والنشاط النقابي والثقافي، دون أن تتخصص في ميدان فني معين.
مشاركة :