مشاركة المرأة الجزائرية في صنع القرار حقيقة أم مجرد أرقام

  • 6/17/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - رغم المكتسبات التي حققتها المرأة الجزائرية خلال العشريتين الأخيرتين، ودخولها بشكل لافت المشهد السياسي، إلا أن الذهنية الذكورية للمجتمع وشكوك الناشطين في المجالين السياسي والحقوقي، لازالت تتحدث عن توظيف صوري من طرف السلطة لملف المرأة. ففي الوقت الذي تتربع فيه المرأة الجزائرية على المؤسسات المنتخبة والهيئات الحكومية الرسمية ومختلف القطاعات، يذهب هؤلاء إلى أن واقع التعسف والانتهاك والنظرة الدونية تلمح إلى اختلالات غير معلنة بين الصورة والحقيقة. ويجزم مختصون وحقوقيون في الجزائر، بأن المسافات المتباعدة بين رموز المجتمع النسوي في البلاد وغالبية النساء باتت تطرح تناقضات بين حقيقة الصورة المسوقة حول المكتسبات السياسية والحقوقية التي سجلتها المرأة الجزائرية منذ قدوم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للسلطة في 1999، وبين الواقع المنطوي على ممارسات الحرمان والتعسف وانتهاك الحقوق المسكوت عنه. وإذ باتت المرأة الجزائرية حاضرة بقوة وبموجب القانون، في المجالس المنتخبة محليا ووطنيا، وفي المؤسسات الرسمية، فضلا لاجتياحها لقطاعات برمتها، فإن صوتها لا يزال مغيبا وانشغالاتها مسكوت عنها، فهي تعاني في صمت من مختلف الانتهاكات اليومية، ومن تعسف الذهنية الذكورية في البيت ومقر العمل وحتى في الشارع والأماكن العمومية. وكان قانون الأحزاب السياسية والاستحقاقات الانتخابية والمجالس المنتخبة، قد أقر منذ العام 2012، بحصة الثلث في أي قائمة تتقدم لخوض أي انتخابات، وتجسيد نفس الحصة في المؤسسات الانتخابية، لتكرس بذلك مكتسبات سابقة كرسها الرئيس بوتفليقة، بحضور المرأة الجزائرية في الحكومة والمؤسسات السيادية، فضلا عن الأمن والجيش والقطاعات المدنية الأخرى. الوقت كفيل بمعالجة الأزمة Thumbnail فيما أفضى القرار إلى تأنيث وتنعيم غير مسبوق للمؤسسات المذكورة، إلا أن المسافات مازالت متباعدة بين النخبة النسوية وبين الطبقات الشعبية، حيث مازالت المرأة الجزائرية ضحية التحرش والتمييز والتعنيف في البيت والشارع رغم ترسانة القوانين التي تجرّم وتعاقب مثل تلك السلوكيات. ومازالت تضطر إلى القبول بالزوجة الثانية والثالثة والرابعة (الضرة) رغم حظر قانون الأسرة لتكرار الزواج دون علم الزوجة السابقة واللاحقة، لأن حيلة الرجال تدفعها للحفاظ على مصلحة واستقرار أبنائها وأسرتها، وإلى الإقرار بالخلع الذي يفقدها حقوقها عند الطلاق، بسبب الفراغ القانوني الذي يستغله الأزواج لعدم تحمل تبعات الطلاق العادي، كما أن بعض الأعراف السائدة تظل معتبرة إياها كائنا غير ذي حق في الميراث، لأن الأولوية دائما للذكور، والذهنيات السائدة لازالت ترفض تحويل جزء من ملك العائلة لشخص غريب عنها (زوج البنت). واللافت أنه رغم قيادة عدد من النساء لأحزاب سياسية وجمعيات أهلية وحقوقية، وتواجدهن بقوة في المؤسسات الرسمية والبرلمان والمجالس المحلية، إلا أن قضايا المرأة والمجتمع تبقى غائبة عن النقاش العام، وحتى آليات الرقابة والمساءلة المتصلة بحقوق المرأة والاختلالات المسجلة في الواقع، الأمر الذي يبقي صوت المرأة، العاملة والماكثة والبطالة والطالبة والعانس والمطلقة، غائبا عن هذه المحافل. ويرى مختصون أن أزمة التمثيل والدفاع وتبني قضايا المرأة من طرف النخبة النسوية في المؤسسات تعود إلى استمرار عمل هؤلاء تحت عباءة الرجل، فكل النائبات أو المنتخبات والناشطات يشتغلن وفق أجندة ذكورية في الحزب أو الجمعية أو المؤسسة، بحيث لا تمنح الأولوية لقضايا المرأة ويتفرغن كما يتفرغ الرجال للقضايا والملفات الأخرى. وترى المحامية والناشطة الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم، في اتصال لـ”العرب”، بأن “النخبة النسوية المتواجدة في المجالس المنتخبة، هي نتاج تراجع رهيب لأخلاقيات الممارسة السياسية، وليس نتاج قناعات ومشاريع مجتمعية تناضل لأجلها في البرلمان، وتقنن على أساسها التشريعات والنصوص التي يدار بها المجتمع، وعليه فإن الظاهرة تبقى شكلية لإرساء ديمقراطية الواجهة، ولا علاقة لها بتمثيل المرأة الجزائرية أو المرافعة لصالح اهتماماتها وانشغالاتها”. تسويق صورة معينة ذهبت بن براهم إلى أن “التواجد النسوي في البرلمان وفي المجالس المحلية ومختلف المؤسسات لا يعكس حقيقة وواقع المرأة الجزائرية، لأن التعديلات الدستورية والقوانين التي أجبرت الأحزاب والمؤسسات المنتخبة على إيلاء حصة الثلث للمرأة، لم تكن بغرض تبني قضايا وانشغالات المرأة والدفاع عنها في تلك المحافل، بقدر ما كانت من أجل تسويق صورة معينة للسلطة لدى الرأي العام الدولي، وتكريس ديمقراطية الواجهة التي تتغنى بالشعارات والصور المزيفة وليس إصلاح وترقية واقع معين”. وطرحت مسألة الكفاءة الأكاديمية والسياسية للنخبة النسوية الحالية بقوة، بسبب الأصداء والممارسات الواردة من أروقة البرلمان وبعض المؤسسات المحلية، والتي تفتقد للطموحات والآمال المعلقة على هؤلاء في الدفاع عن قضايا المرأة والمجتمع الجزائري بشكل عام، مما أفقد ثقة المرأة الجزائرية في النائبات والمنتخبات لضرورات قانونية، وليس لقناعات سياسية واجتماعية لدى الطبقة السياسية. وشكل وصف “برلمان الحلاقات” على التركيبة النيابية التي أفرزتها الانتخابات التشريعية للعام 2012، المتزامنة مع دخول قانون حصة الثلث النسوي حيز التنفيذ، صورة مخيبة للمرأة الجزائرية عن النخبة التي ارتقت لتمثيلها والدفاع عنها، في أكبر المؤسسات التشريعية والرقابية للقوانين وعمل الحكومة. الجزائرية تعيش شرخا بين حقيقة الصورة المسوقة حول المكتسبات السياسية التي سجلتها وبين الواقع المنطوي على ممارسات الحرمان والتعسف وترك متفائلون بمستقبل الحضور السياسي للمرأة الجزائرية، الأمر لعامل الوقت من أجل تجاوز الاختلالات التمثيلية وأزمة الثقة، فالتجربة البرلمانية للعام 2012، هي وليدة وضع معين، حيث وجدت الأحزاب السياسية والقوائم المستقلة آنذاك، نفسها مضطرة للتعامل مع وضع جديد فرضته المادة 31 مكرر من الدستور، التي تلزم الطبقة السياسية بترشيح ثلث القائمات من النساء، فاستعان بعضها بأي أنثى، دون الأخذ بعين الاعتبار الكفاءات السياسية والمهنية والتعليمية للتكيّف مع القانون، فكان أن أفرزت نتائج تلك الانتخابات تتويج نسوة من فئات اجتماعية لا اهتمام ولا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالبرلمان ولا بالأحزاب. ويستدل هؤلاء بكون نخبة البرلمان الحالي المنتخب في 2017، قد تخلصت نسبيا من إرث العهدة البرلمانية السابقة، ورغم أنها مازالت بعيدة عن الطموحات لحد الآن في تبني قضايا المرأة الجزائرية والعمل على إصلاح الأمر الواقع واستعادة جسور التواصل والثقة بينها وبين النساء الجزائريات، فإن هامش الوقت لا يزال بيدها، وبإمكانها تغيير الواقع والمفاهيم من الآن إلى غاية نهاية العهدة في 2022. ويبقى الإنجاز اللافت للمرأة الجزائرية في الممارسة السياسية مقارنة بنظيرتها في المنطقة العربية، محل نظرة ناقصة تصفها بـ”النخبة التي صنعتها الظروف، وليس هي التي تصنع الظروف في المشهد السياسي الجزائري”. وتصر بن براهم على اعتبارها نتاج تراجع رهيب لأخلاقيات الممارسة السياسية، وليست نتاج قناعات ومشاريع مجتمعية تناضل لأجلها في البرلمان، وتقنن على أساسها التشريعات والنصوص التي يدار بها المجتمع. أرجعت بن براهم في حديثها لـ”العرب”، أسباب ومسؤولية ما تصفه بـ”النكسة السياسية والحقوقية التي أساءت للمرأة الجزائرية وللهيئة التشريعية في البلاد”، إلى “الطبقة السياسية والتركيبة البنيوية والفكرية للأحزاب السياسية التي تمتهن ممارسات انتهازية بعيدة عن القناعات والأفكار والحس النضالي”. وترى النائب نادية شويتم عن حزب العمال اليساري أنه “رغم النقائص المحيطة بدور ومهام المرأة الجزائرية في البرلمان والمجالس المنتخبة، والانتقادات التي تنطوي في الكثير من الأحيان على خلفيات فكرية وأيديولوجية معارضة للحضور السياسي للمرأة، فإنه لا بد من التنويه بالنشاط النضالي للنساء الجزائريات في مختلف المحافل، من أجل قضاياها وقضايا المجتمع”. وقالت شويتم في تصريح لـ”العرب” “لو تعلق الأمر في الحضور النسوي بانشغالات ومشاكل المرأة الجزائرية، لأصبحت المهمة التمثيلية فئوية صرفة، وليست وظيفة نيابية تشتغل على التشريع والرقابة والاقتراح في مختلف الميادين، والاضطلاع بالمسؤوليات يتوجب على النائب ملامسة نبض المجتمع، ولو أنه لا بد من الاعتراف بأن وضع المرأة لا يسرّ”. وكانت شويتم قد أثارت جدلا ساخنا في الأشهر الأخيرة، من خلال مقترح لها للحكومة بتخصيص غلاف مالي لتعميم تعليم اللغة الأمازيغية، ودخلت في سجال مع نواب الأغلبية البرلمانية الموالية للسلطة بعد معارضتها للمقترح، ما أثار حراكا اجتماعيا وثقافيا في منطقة القبائل، اضطر السلطة في نهاية المطاف إلى الرضوخ لمطالب تجسيد وتكريس المكون الأمازيغي في الهوية الوطنية، وإطلاق حزمة من الإجراءات لفائدة الملف. ويحسب للنائب جرأتها في طرح القضية المتصلة بالهوية الأمازيغية، وإدارتها لجدل ساخن بين أطياف الطبقة السياسية والنيابية، حمل انطباعات إيجابية عن اضطلاع المرأة النائب بمهامها التمثيلية، وبانصهارها مع القضايا الأساسية للمجتمع، رغم ما يشاع عن اهتمام هذه الفئة بالمزايا والامتيازات والقضايا الشخصية. ويرى متابعون لشؤون المرأة أن المكانة التي تحتلها المرأة الجزائرية في المؤسسة السياسية جعلتها في صدارة المنطقة العربية وفي ترتيب محترم عالميا، وقد تكرّست بشكل لافت خلال العشريتين الأخيرتين بفعل إرادة سياسية تستمد جذورها من الثورة التحريرية (1954-1962)، حيث ساهمت بشكل كبير وفي مختلف المستويات إلى جانب الرجل في مقاومة الاستعمار الفرنسي. ويرجع هؤلاء تواجد المرأة الجزائرية إلى سنوات الاستقلال الأولى في المؤسسات العليا للبلاد، كالحكومة والبرلمان، حيث اجتاحت تدريجيا مختلف القطاعات، لدرجة تأنيث قطاعات برمتها في السنوات الأخيرة، على غرار التعليم والصحة والقضاء والأمن، وتجاوزت في هدوء أعتاب مؤسسة الجيش التي كانت حكرا على الرجل. سمحت الخيارات السياسية للبلاد للمرأة الجزائرية بأن تكون في مراتب جد متقدمة مقارنة مع بعض الدول العربية والإسلامية. فمنذ دستور 1964 الذي تبنى الخيار الاشتراكي، وجدت المرأة الجزائرية نفسها تحقق أولى مكتسباتها، لأن الخيار يساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات عكس بعض الأنظمة السياسية الأخرى. واستفادت المرأة الجزائرية من دورها التاريخي في ثورة التحرير، مما مكنها من تسجيل حضورها الرمزي في البرلمان منذ عهدته الأولى (1964)، كما حملت حقائب وزارية ودبلوماسية في أولى حكومات الاستقلال، إلى جانب ولوجها السهل للثورات الثلاث (الزراعية، الثقافية والصناعية)، فضلا عن انصهارها في تنظيم الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، الذي كان فضاء رسميا تبلورت فيه نضالات وطموحات وأفكار المرأة الجزائرية. إلا أن طموحاتها اصطدمت بإفرازات العشرية الحمراء، واجتياح الإسلام السياسي بقيادة جبهة الإنقاذ المحظورة آنذاك للمشهد العام، فما كانت تعول عليه من قرار الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية والإعلامية، المتخذ آنذاك من طرف سلطات البلاد، لطرح أفكارها للمجتمع، أسقطته لاءات الإسلاميين الذين حظروا كل أشكال التعبير وقمعوا الحريات النسوية. ويعد اغتيال 11 معلمة في سيدي بلعباس بغرب البلاد العام 1997، من طرف تنظيم إرهابي إسلامي، إحدى الصور البشعة والدموية لتضحيات المرأة الجزائرية خلال العشرية الحمراء، ووقوفها الشجاع في وجه المشروع الظلامي، الذي دمر المجتمع وهدد كيان المرأة بحرمانها من حقها في الحياة والعمل والنضال، لأن المشروع الإرهابي استهدفها في حياتها وحريتها وأرادها قتيلة أو أرملة أو مكلومة. وتعد أم عزالدين (60 عاما آنذاك) من بلدة أولاد لعلام بمحافظة البويرة (120 كلم جنوبي العاصمة)، التي تطوعت خلال الحقبة المذكورة، لحمل السلاح ومحاربة الإرهاب، نموذجا حيا لشجاعة المرأة الجزائرية، ولرسالة الأمل في الحياة وإنارة مستقبل الأجيال في كنف الأمن والاستقرار، والتضحية من أجل مستقبل المرأة الأم والبنت والزوجة والمجتمع بشكل عام. ورغم وقوف إسلاميين ومحافظين في وجه المكتسبات المحققة، خاصة مع إقرار ما يعرف بـ”البند الثالث عشر مكرر، في التعديل الدستوري للعام 2008، والقانون العضوي للانتخابات الصادر في العام 2012، إلا أن تناغم الإرادة السياسية مع الفعاليات السياسية والمدنية، سمح بتحقيق خطوة كبيرة في طريق ترقية حقوق المرأة وتجسيد حضورها السياسي، بعدما أجبرت الطبقة السياسية على احترام قوانين اللعبة، والإقرار بحصة الثلث في قوائمها الانتخابية، ما سمح لها بالحضور الآلي في مختلف المجالس المحلية والوطنية المنتخبة، رغم ما يحسب على العملية. ومع ذلك يبقى التمثيل النسوي فاقدا للمصداقية والفعالية، قياسا بأوضاع المرأة الجزائرية خاصة في المناطق الريفية والداخلية، حيث تحصي الهيئات الرسمية ارتفاعا ملحوظا للبطالة والأمية والانتهاكات الحقوقية، بسبب هيمنة الذهنية الذكورية على المجتمع، واستحواذ العادات والأعراف البالية التي تصنف المرأة ككائن بشري مرادف لكل نقائص وإخفاقات الرجل. وتذكر رحمة (42 عاما)، من محافظة باتنة بشرق البلاد، لـ”العرب”، أنه مهما ارتقت المرأة في المؤسسات الرسمية والمنتخبة، فإن ذهنية المجتمع هي التي تحكم وتدير شؤون المرأة، فقد كان زوجها يجردها كليا من الثياب في بهو البيت عرضة للبرد القارس، عقابا لها على عدم حملها، بدل أن يبحث أن أسباب العقم في المصحات ولدى الأطباء. وأكدت أن المشكلة لا تكمن في القوانين والخطابات السياسية، بقدر ما تكمن في الأعراف والعادات المتوارثة، فكم من فتاة شريدة وطريدة في شوارع المدن الكبرى وبين قبضة الوحوش الآدمية، وذنبها الوحيد أنه لا القانون ولا التمثيل السياسي قادر على توفير الحماية لها من الأخطاء المعرضة لها من كلا الناس، والأدهى أن العقاب لا يتساوى بينها وبين الرجل في نفس الخطأ، لأن الرجل في نظر المجتمع الجزائري منزّه بينما تقرن المرأة بالشتيمة والعار.

مشاركة :