احتفالًا بعيد الأب، ترأّس البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرّاعي القدّاس الإلهيّ على نيّة كلّ الآباء الوالدين وعائلاتهم، في الصّرح البطريركيّ- بكركي، شاركه لفيف من المطارنة والكهنة وحشد من المؤمنين. بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظةً بعنوان "إذا كنتم أنتم الأشرار تحسنون العطايا لأبنائكم، فكم بالحريّ أبوكم الّذي في السّماء"(يو 16: 33)، جاء فيها:"يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا وبخاصّة بالعائلات المكرّمة الّتي تميّزت سواء بكثرة الإنجاب، أم بتخطّيها تحدّيات الحياة بثبات الإيمان والرّجاء، أم بإعطائها دعوات تكرّست لخدمة الإنسان المهمّش أو المهمَل، أم تصالحت بعد محنة الإنفصال بفضل وساطة المحبّين. وأحيّي شاكرًا مكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّائرة البطريركيّة الّذي دعا إلى هذا الاحتفال ونظّمه، فأخصّ بالتّحيّة منسقّيه الأباتي سمعان أبو عبدو والزوجين سليم وريتا الخوري، الّذين يتفانون في خدمتهم. كافأهم الله.إنّنا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، نرفع المجد والتّسبيح لأبينا السّماوي الّذي خلقنا ويمنحنا الوجود في كلّ لحظة بعنايته الفائقة، والّذي من أجل خلاصنا أرسل ابنه الوحيد، كلمته الأزليّة فأخذ جسدًا من البتول النّقية مريم، وكشف لنا سرّ الآب، وأنارنا بكلامه، كلام الحياة الأبديّة، وافتدى خطايانا بموته على الصّليب، وبرّرنا بقيامته، والّذي أرسل روحه القدّوس ليحقّق فينا ثمار الفداء ويقدّسنا، ويقودنا بنوره إلى معرفة الحقيقة كاملة ويحيينا بالنّعمة الإلهيّة، ويملأ قلوبنا بالمحبّة. ونشكر الآب السّماوي على الأبوّة البشريّة والأمومة الّتي وهبها للعالم بتأسيس سرّ الزّواج لتكون صورته في نقل الحياة البشريّة وترتيبها والعناية بها، وتعكس عنايته. بهذا المعنى قال الرّبّ يسوع: "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض فإنّ لكم أبًا واحدًا في السّماء" (متى 23: 9). ويشرح معناه بما يقول في إنجيل اليوم: "أيّ أب يطلب منه ابنه سمكة فيعطيه حيّة؟ أم يطلب منه بيضة فيعطيه عقربًا؟" (لو 11: 11-12). بهذا السّؤال يؤكّد الرّبّ يسوع أنّه لا يمكن لأي أب بشريّ أن يفعل ذلك بحكم عاطفة الأبوّة وحنانها، وأنّ كلّ ما يأتينا من الله، في مختلف ظروف حياتنا الحلوة والمرّة، إنّما هو نعمة وبركة وعطيّة صالحة، لأنّه يأتي من أحشاء محبّة أبوّته وحنانها. كم من أشخاص مؤمنين أعطوا آلامهم قِيمَة خلاصيّة، عندما قرأوها على ضوء آلام المسيح الفادي!لا تقتصر عطيّة الآب السّماويّ على الأبوّة البشريّة بل أعطانا أيضًا الأبوّة الرّوحيّة بشخص بطاركتنا وأساقفتنا وكهنتنا، وعلى رأسهم حامل اسم الأبوّة بامتياز، قداسة البابا المترئّس المحبّة. هؤلاء آباء لأنّهم يكسرون لنا خبز كلمة الحياة، ويهيّئون لحياتنا وليمة جسد الرّبّ ودمه، ولأنّنا على يدهم نولد ثانية أبناءً وبنات لله بالمعموديّة والميرون، وهم يتدبّرون تنظيم حياة الجماعة على قاعدة الحقيقة والمحبّة والأخوّة والتّضامن. إنّنا نذكرهم بصلاتنا.وبحسب ترتيب النّظام الطّبيعي، أعطانا الله الأبوّة المدنيّة، لتكون مؤتمنة على تأمين الخير العام الّذي منه خير الإنسان وكلّ إنسان، وعلى أن يحكموا بالعدل بين النّاس. وهذه مسؤوليّة كبيرة يجدر بالّذين يتحمّلونها أن يتّصفوا بالمشاعر الإنسانيّة: الحب والحنان والعطف والرّحمة والشّعور مع الآخر والتّفاني في الخدمة والعطاء.
مشاركة :