رحلة فى زوايا الحقيقة، يخوضها القراء فى أحدث روايات الروائية ريم بسيونى «مرشد سياحي» الصادرة عن دار نهضة مصر فى العام الماضي، لكنها منذ صدورها تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. فى جنوب مصر فى مدينة الأقصر بلد السحر والجمال التى يوجد بها ما يقرب من ثلثى آثار العالم، محط أنظار الزوار والسياح من مختلف الجنسيات، تدور أحداث الرواية من خلال شخصية مؤمن، المرشد السياحى غير التقليدي، من يحفظ المعلومات التاريخية ليلقيها على مسامع الأجانب، ولكنه يخلق لهم عالمًا آخر، حقيقيا وغير حقيقى عن الفراعنة وعاداتهم. مرشد سياحى له فلسفته الخاصة، ليس فقط فى عمله، ولكن حياته العائلية التى تمرد عليها، حيث يرى شقيقه الأكبر أن عمل مؤمن فى السياحة ترف ولهو، لا فائدة منه، فهو يبيع الوهم ويقيم العلاقات مع الأجانب، ثم فلسفة أخرى فى حياة مؤمن الشخصية وعلاقته بالراقصة الروسية «جوانا»، ثم بعد ذلك قصة الحب التى تنشأ بينه وبين علياء المرشدة السياحية التى تهرب من أحزانها إلى الجنوب، هذه الفلسفة جعلت من مؤمن ليس فقط أشهر مرشد سياحى فى مدينة الأقصر بأكلمها، بل شخص يترك فى نفسك تأثيرًا كبيرًا يجعلك لا تنساه أبدًا.يدرك مؤمن الحقيقة وراء قدوم السياح إلى الأقصر فلابد من يترك بلاده ويجىء لمصر، إنه يريد أن يهرب ولو لفترة محددة يدفع ما يملك من أجل رحلة يتوسم فيها أن تكون رحلة العمر، يرى وجها آخر وعادات أخرى وحيوات لم يكن يتوقعها يحكى له عنها مؤمن.نجاحه فى عمله يخلق له الكثير من الأعداء، تقع حادثة قتل لإحدى السائحات الأستراليات من أصل صيني، تنقلب معها الدنيا رأسًا على عقب، يدور العالم يبحث عن الحقيقة، حقيقة من قتل «يان»؟ الحقيقة تلك التى يريد أن يسمعها الغرب، من قتل السائحة الأجنبية فى مصر سؤال تطرحه الصحف المحلية والدولية وتجيب هى أيضًا عنه، قتلها الإرهابيون أعداء الحق والخير والجمال، أم مؤمن المرشد السياحى الجنوبى طمعًا فى أموالها.أم زوجها الذى جاء بصحبتها إلى الأقصر لترى عظمة المصريين القدماء ولينتقم من خيانتها فى بلد غير بلاده لكى يفلت من العقاب، فلا حساب لأجنبى فى غير بلاده، فالحكومة كالآباء لا تحب الأسئلة الكثيرة، خاصة الأسئلة التى ليست لها أجوبة واضحة، ومن ثم تلجأ لحل تعتقد أن فيه نهاية الأزمة من قتل «يان» هو مؤمن، لكنه يرفض أن ينصاع لذلك ويخوض رحلة لإثبات براءته، حتى تصبح قصته تتردد فى المقاهى والجوامع والكنائس. براقة هى كلمة الحقيقة، التى يسعى خلفها الجميع، ولكنها لها وجوه كثيرة، الحقيقة كما تعنيها الكاتبة ريم بسيونى أستاذ اللغويات فى الجامعة الأمريكية ليس فقط تلك التى نقصدها جميعا أو نسعى وراءها عندما يقع حادث ما، ولكن كشف المستور داخل خبايا النفس، والتصالح معها وترويض اللاوعى حتى يتصالح مع الوعى ليشاركه وليمته العلمية والإنسانية. تستعين الكاتبة فى روايتها بالرموز من خلال شخصيات وأحداث ترمز تارة للخير والشر وترمز أيضًا للضعف والحب والجمال والقوة كما تجسد للعلاقات الإنسانية بين البشر فى الداخل والخارج وتأثير ما يحدث حولهم من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية على مجرى حياتهم.
مشاركة :