«المهرّجون».. مشهدية بصرية ممتعة تثري خيال الطفل

  • 6/18/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

دبي: محمدو لحبيب شهدت مدينة الطفل في دبي، في ثاني أيام العيد، عرضاً لمسرحية «المهرّجون»، من تأليف وإخراج مرعي الحليان، وإنتاج مسرح بني ياس. حضر العرض جمهور كبير لم يقتصر على الأطفال، بل ضم مختلف فئات الأسرة، وجاء العرض متميزاً على مستوى الإخراج والسينوغرافيا، والتوظيف الإبداعي للإضاءة، والديكور، والأزياء، والمؤثرات الصوتية، وبدت بصمة المخرج واضحة على تصميم مشاهد العرض، وما احتواه من أداء حركي متناسق مع كل عناصر العرض الأخرى، وهو ما خلق حالة فرجة ممتعة جداً تفاعل معها الجمهور بكل أصنافه من الكبار والصغار.تدور حكاية العرض حول مجموعة من المهرجين، كانوا يعملون في سيرك يملكه أحد الأشخاص، قبل أن يطردهم متهماً إياهم بأنهم السبب في فشل السيرك، وانصراف الجمهور عنه نحو سيرك آخر، ليجدوا أنفسهم بلا عمل، وبلا أي شيء سوى عربة مملوءة بالإكسسوارات، منحها لهم صاحب السيرك بدلاً من مستحقاتهم المالية، وفي البداية وتحت وقع الصدمة، وكونهم وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع دون أن يتحسبوا لذلك، تظهر نوبات من الحزن على بعضهم، ويحكي أحدهم عن مأساته الشخصية التي تتمثل في أنه لا يمكن أن يخبر أباه بأنه ترك العمل في السيرك، فهو يساعده في مصاريف إخوته الصغار، ووسط حالة الحزن تلك تبدأ أسئلة مصيرية تدور بين المهرجين من قبيل: ماذا يمكن أن نفعل؟ نحن لم نعرف سوى هذا السيرك فكيف يمكن أن نجد عملاً آخر؟ وبم يمكن أن تنفعنا هذه العربة القديمة؟وبرزت أصوات من بينهم تطالبهم بعدم اليأس، وبالصبر فلا بد من أن يأتي الحل في لحظة ما، ويقرر المهرجون أن يظلوا معاً متوحدين، وأن يبدأوا في استعمال مواهبهم وما تحتويه العربة التي تركها لهم صاحب السيرك، في المرح وإلهاء أنفسهم وإثبات مواهبهم التي شكك فيها ذلك الرجل الشرير، فبدأوا يقدمون قصصاً خيالية مختلفة، من بينها قصة صياد طيب يحاول أن يصطاد سمكة لابنه الذي يشعر بالجوع، وينجح الصياد بعد برهة في اصطياد سمكة ضخمة، لكنه يتفاجأ بها تستعطفه أن يتركها لحال سبيلها، فهي خرجت أساساً كي تحضر طعاماً لأبنائها الصغار، فيشفق عليها الصياد ويتركها تذهب ويعطيها مع ذلك طعاماً لأبنائها، دون أن يلتفت لاعتراضات ابنه الجائع، وبعد فترة تعود إليه السمكة لتشكره، وتعطيه لؤلؤة ثمينة هدية منها له ولابنه فيبيعها ويصبح ثرياً.وبعد نهاية تمثيلهم لتلك القصة يلاحظ المهرجون وجود الجمهور في قاعة العرض، فيقررون إشراكه معهم في لفتة تفاعلية ذكية من المخرج، ويبدأون في النزول إليه، ليسألوه عن رأيه في عرضهم وقصتهم التي مثلوها، ويبدي الجمهور ترحيباً كبيراً بهم، مما يدفعهم إلى تجسيد قصة أخرى، وفي أثناء ذلك وبعد أن لاحظ صاحب السيرك أن المهرجين باتوا يملكون جمهوراً خاصاً بهم، يتدخل في محاولة لمنعهم من العمل، وإيقاف عروضهم، ويقرر هو الآخر النزول للجمهور داخل القاعة محاولاً أن يجتذب انتباههم، وأن يفسد العلاقة بينهم وبين المهرجين، لكن الجمهور يختار أن يكون في صف المهرجين وقصصهم واستعراضاتهم وأغانيهم الرائعة، ليبدأ صاحب السيرك في نسج خطط شريرة من أجل إفساد عرض المهرجين، والتشويش على علاقتهم المتنامية مع الأطفال، وأثناء ذلك يقرر المهرّجون في نهاية درامية، أن يذهبوا بعيداً نحو مدن أجمل لا وجود لصاحب السيرك فيها، ويبرزوا طاقاتهم وهواياتهم الإبداعية.فكرة المسرحية بدت مختلفة عن السائد فيما يتعلق بمسرح الأطفال، والشكل الكلاسيكي له، والمعتمد أساساً على قصة أسطورية، تتضمن مشاهد لحيوانات ومخلوقات غريبة، تستهدف إثارة خيال الطفل دون أن تبعث له أي رسائل متماشية مع واقعه الحالي.حكاية العرض ناضجة زاخرة بالكثير من القيم والأخلاق الفاضلة الصالحة لكل زمان ومكان، من قبيل تعظيم فكرة العمل في حياة الناس، وأهمية التضحية من أجل الغير، وأن من يُعطي الآخرين حتى وهو محتاج، فلا بد أن يرزقه الله أفضل مما أعطى، وأن الموهبة تفرض نفسها في النهاية مهما حاول الأشرار أن يحاربوها.نجح الحليان من خلال العرض في إبراز تلك الأفكار العامة المشتركة بين البشر، عن طريق سياق متداخل من الحكايات والمرح الذي تصنعه عادة شخصية المهرج، والغرائبية التي تحيط بها، ومن خلال توظيفه لمفردات مسرح العرائس، والمسرح الاستعراضي، ومسرح الظل، واشتغل على كل ذلك برؤية واعية لكيفية توظيف الديكورات البسيطة، واستطاع العرض من خلال ذلك كله أن يقدم المعرفة والثقافة، والقيم الإيجابية والأخلاق الفاضلة.أبرز العرض خبرة الحليان وتمكّنه الإبداعي، الذي جعله يظهر جماليات السينوغرافيا البسيطة الخالية من الحشو وتكديس الديكور بمجانية على الخشبة، وجعلته كذلك ينجح في خلق عرض تفاعلي بين الممثلين والجمهور الذي كان جزءاً من اللعبة المسرحية التي بناها الحليان ببراعة، كما أن الأزياء والدمى ساهمت في إيصال المضمون وتعميق بناء الشخصيات الدرامي، وتعامل معها الممثلون ببراعة وخفة وسهولة.الحليان وفي تصريح خاص ب«الخليج» أكد أن ما يسمى بمسرح العيد، ينبغي ألاّ يقتصر على مجرد إضحاك الناس، بل يجب على الممثلين والمخرجين وكتاب النصوص المعدة لمثل هذه المناسبات، أن يعوا أن مثل هذا النوع من المسرح موجّه للأسرة بكل أطيافها، وعليه أن يحترم وجودها في هذه المناسبة، ويقدم رسائل ومضامين أخلاقية لا تصطدم مع المألوف، وتنمي ذائقة الناس، وتمتعهم في الوقت نفسه.

مشاركة :