الفيلم الجديد «الرماد أنصع بياضا» للمخرج الصيني جيا جانغكي، يصور ملحمة حرب عصابات تغوص في أعماق الصين الحديثة. «يبدو أنك شاهدت أفلام العصابات أكثر من اللازم!» هكذا تقول تشياو (الممثلة جاو تاو) لـ»بن» (الممثل لياو فان) أثناء الفيلم. لكن الفيلم الذي أخرجه جيا جانغكي يتفوق على أي فيلم عصابات آخر، إذ تجاوز المخرج والمؤلف الصيني مجرد صناعة فيلم عصابات ملحمي باقتدار، ليرسم صورة لا تبرح مخيلة المشاهد تتعدى غرابتها حدود التسلية ليتأمل في قصر الحياة ومعاني الوفاء والخوض في وجدان الصين الحديثة. لماذا لا يزال فيلم «2001: ملحمة الفضاء» لغزاً محيرا؟ فيلم بلاك بانثر يدفع والت ديزني إلى قمة صناعة السينما الأمريكية «جزيرة الكلاب»: فيلم رسوم متحركة يقاوم الديكتاتورية «تشياو» خليلة رجل عصابات، وتقول إنها ليست ضمن «رفقة» السيد بن؛ أي عصابته، بل تبغي فقط مساعدة والدها العجوز الذي يعيش في بلدة فقيرة يعمل سكانها بالمناجم. لكن الفتاة ذات الشعر القصير ورباطة الجأش التي تذكر بالأمريكية أوما ثيرمان في فيلم «بالب فيكشن»، لا تتورع عن فعل اللازم، بدءا من تحية «الرفاق» بلكمات ودية خلال اللقاءات المعتادة وانتهاء باستخلاص الأموال للدائنين ومعاقبة «المذنبين». يواجه صديقها بن، وهو لص عريض المنكبين ضخم الوجه، والذراع الأيمن لصاحب أكبر عقارات في المنطقة، جيلا جديدا من شبان العصابات في الصين. وذات ليلة يجد نفسه أمام حشد منهم بأحد الأزقة المكتظة، وقد أتوه شاهرين المجارف، سلاحهم المفضل للجريمة. تتمكن تشياو من إنقاذ حياة «بن» بإطلاق رصاصة في الهواء من مسدسه، ثم تقول للشرطة إنها صاحبة المسدس غير المرخص ليُحكم عليها بالسجن خمس سنوات بينما يخرج بن بعد عام واحد. لكن هذا «الوفاء» من جانب تشياو ليس له اعتبار عند بن ولا رفاقه. وحينما تخرج تشياو من السجن لا تجد أثرا لحبيب الأمس فتبدأ رحلة عبر نهر يانغتسي على أمل لم شملهما. يقدم «الرماد الأنصع بياضا» وجبة دسمة من الإثارة والحركة، إذ يتصاعد التوتر تدريجيا مع تربص اللصوص على درجاتهم البخارية بسيارة بن وتشياو، ليصل إلى ذروة عراك بالفنون القتالية، ثم ينحى الفيلم للطرافة مع خوض تشياو رحلة بحث وانتقام غير آبهة بما تلقاه وما تفعله من نصب وسرقة وتهديد في بلدة بعيدة وليس بجعبتها غير قارورة ماء بلاستيكية! تدور أحداث الفيلم على مدى زمني واسع بين عامي 2001 و2018 وقد تم تصوير مشاهده بضوء طبيعي باهت حتى بات «الرماد الأنصع بياضا» أشبه بقصة أسطورية لشبح تائه أو رائد ضائع في كوكب للفضائيين - كل هذا قبل أن تلقى تشياو رجلا يعمل بشركة رحلات لرصد الأطباق الطائرة. وتمر الرحلة بنمر وأسد أجرب، تتخللها رقصات منها الكلاسيكي والديسكو، وأغنية «واي إم سي إيه» لفريق فيليدج بييبل ذات الظهور المتكرر في الفيلم، كما ظهرت أغنية «غو ويست» لفريق بيت شوب بويز مرارا خلال الفيلم الأخير لنفس المخرج بعنوان «الجبال تتزحزح». والموضوع الذي يؤكد عليه الفيلم هو كيف يلاحق التغيير كل شيء بلا هوادة، فالناس يكبرون والمحبة تفتر والعصابات تتوارى، وبنيان الصين المعماري يشهد طفرة تلو أخرى، وسد الوديان الثلاثة يغرق أميالا من الريف. ويندر أن تجد مخرجين يرصدون تقلب الدهر ببراعة جيا وتأثيره، خاصة مواقع البناء والهواتف الذكية التي يوليها جل اهتمامه. أما جاو تاو التي تمثل دور تشياو (وجاو متزوجة من المخرج في الواقع) فقد أعجزت في تمثيل الدور بإبراز ملامح دقيقة للتغيير الذي يطرأ على تشياو التي تزداد قساوة وتعبا مع السنين. ومع اقتراب الفيلم من النهاية يشعر المشاهد وكأن دهرا قد مر عليه كما على البطلة، ويود لو أن الفيلم قد انتهى من نصف ساعة. ويتساءل المرء هل كان «بن» جديرا بكل هذا الجهد أم كان أحرى لو تناسته تشياو - وهيهات أن تفعل إذ مازالت تتشبث بأن الكل يمضي ويزول أما المحبة فلا تسقط أبدا.
مشاركة :