فجأة ، والناس تتبادل التهاني بالعيد ، وتتنفس بعض الصعداء من أيام الكرب والغلاء وصعوبات المعيشة وغلاء الكهرباء والمياه الأسابيع الماضية ، وتمني نفسها بأيام أفضل في المستقبل لالتقاط الأنفاس ، إذا بالحكومة تقرر ، ثاني أيام العيد ، رفع أسعار الوقود بنسب كبيرة ، تصل إلى قرابة الضعف خاصة في بنزين الغلابة ، بنزين 80 ، وهو الذي تسير به الغالبية العظمى من سيارات نقل الركاب وحتى السيارات الخاصة للشريحة تحت الوسطى في المجتمع ، وهو القرار الذي أصاب الناس بالصدمة ، وولدت شجارات وعنف في مواقف الركاب في أكثر من مدينة ، وجعلت ملايين المصريين يلجأون إلى الآلات الحاسبة لكي يضربوا الأخماس في الأسداس ليعرفوا ميزانية بيوتهم الجديدة . قبل ستة أيام كنت قد كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان : (هل تنكد الحكومة على الشعب ليلة العيد) ، وقلت فيه أن تلك الحكومة متخصصة في التنكيد على الناس في الأيام المفترجة ، وفي أيام الإجازات ، وأني أخشى أن تفعلها مع الناس في العيد وتقرر رفع أسعار الوقود استغلالا لوضع الناس المسترخية والإجازات ونحو ذلك ، وللأمانة كنت أكتب ذلك وأنا أشعر أنه من الصعب أن تفعلها في العيد ، لأنها جليطة وجلافة يصعب استيعابها ، كما أنه لم يحدث في تاريخ الجمهورية كله أن فعلت سلطة مثل هذا الأمر ، كان الرؤساء والقادة دائما يراعون مشاعر الناس حتى وهم يضطرون إلى رفع الأسعار ، كانت هناك لياقة واحترام لمشاعر الناس ، ولكن المفاجأة أنهم فعلوها اليوم ، في العيد يا مؤمن ، هذا أمر لا سابق له ، لا يوجد في تاريخ مصر حكومة أو سلطة تحتقر الناس إلى هذا الحد ، ولا تعبأ بوجودهم ولا آلامهم ولا مشاعرهم إلى هذا الحد ، سلطة تشعر أنها ليست بحاجة إلى الشعب أصلا ، ولو أنه هناك احتمال ولو ضعيف أنها ستكون بحاجة إلى الشعب عند أي استحقاق انتخابي أو دستوري لما أقدمت على ما أقدمت عليه ، ولكن لأن الأمر يقضى حين تغيب تيم ، ولا يستأمرون وهم شهود ، كما يقول الشاعر الحكيم ، جرى ما جرى . أسعار الوقود الجديدة ليست مثقلة لكاهل الأغنياء ، لأن الزيادة في بنزين 95 أقل من الربع ، بينما في بنزين الغلابة تصل إلى الضعف وكذلك الطبقة الوسطى الأكثر كدحا والأكثر استخداما للسيارات الخاصة ، كما أن هناك زيادات كبيرة للغاية في أسعار المازوت ، تصل إلى 60% تقريبا ، وهو الوقود المستخدم في تصنيع الطوب وأعمال البناء ، بما يعني أن تكاليف البناء ستزداد بقفزات ، بما يعني أن أسعار العقار ستصل لأرقام فلكية بالنسبة للأرقام الحالية ، أضف إلى ذلك أن رفع أسعار الوقود يستلزم بالضرورة رفع أسعار كثير من السلع ، لأن خدمة النقل تستهلك قدرا غير قليل من أسعار التكلفة لأي منتج ، أي أن الناس ستستقبل موجة غلاء كبيرة أخرى قادمة ، ولن تخفف منها التصريحات الجوفاء للحكومة بأنها ستسيطر على الأسعار وتواجه “جشع التجار” ، فالجشع هو جشع حكومة وليس تجار ، تعتصر الضعفاء لكي تسمن أدوات السيطرة ، كما أن خبرة المصريين طوال الأعوام السابقة أن جميع التصريحات الرسمية من كبار المسئولين لصغارهم عن ضبط الأسعار أو التعهد بمواجهة الغلاء ، كلها كانت تخديرا كاذبا ، جرت الأمور عكسه تماما . المؤسف أن عددا من القوى السياسية انشغل عن آلام الناس والمجهول البائس الذي ينتظرهم وينتظر أولادهم وأسرهم من موجات الغلاء ، لكي يصطادوا في الأزمة ، لحساب من يوالونهم من القوى أو الشخصيات ، فأنصار الدكتور مرسي والإخوان شغلهم تبكيت المصريين بالحديث عن أن سعر الدولار أيامه كان ستة جنيهات واليوم يدخل على العشرين وأنه رفض رفع أسعار الوقود ، وأنصار مبارك شغلهم تبكيت المصريين بأن سعر أنبوبة الغاز آخر أيام مبارك كانت باثنين جنيه ، واليوم بخمسين ، وهكذا يتحول الشعب المسكين إلى مهرسة تنسحق بين سلطة غشيمة قاسية ومعارضة تفتقر للحد الأدنى من الإحساس بالمسئولية . ——————————————————- جمال سلطان المصريون [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1
مشاركة :