تونس – فاجأ توافق بلدي بين حركة النهضة الإسلامية والجبهة الشعبية (تجمع أحزاب يسارية وقومية) في بلدية العروسة من محافظة سليانة التونسيين الذين اعتادوا طيلة السنوات الماضية على تبادل التهم بين الطرفين. وتصر الجبهة الشعبية منذ عام 2013 على رفض التعامل مع النهضة أو التحالف معها وتتهمها أيضا بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية في اغتيال زعيميها شكري بلعيد ومحمّد البراهمي. وأثار بيان صادر عن الطرفين بشأن التحالف الجديد جدلا في صفوف قواعد الجبهة الشعبية وقياداتها باعتبار أن مدينة العروسة محسوبة على الجبهة باعتبارها مسقط حمّة الهمامي ناطقها الرسمي. وسارع المجلس المركزي للجبهة الشعبية إلى إعلان رفضه التوافق بين قائمته وقائمة حركة النهضة، معتبرا التوافق المذكور أحادي الجانب ولا يلزم قيادة الجبهة. ووصف حمة الهمامي في تصريحات صحافية ما حصل من توافق في العروسة مع حركة النهضة بشأن توزيع المسؤوليات في المجلس البلدي بالخطأ السياسي. واعتبر أنه موقف انفرادي ومحلّي تمّ دون التشاور مع الهيئات القيادية وفي مقدمتها المجلس المركزي للجبهة التي ستعمل على تصحيح ما حدث حتى لا يتكرر في مناطق أخرى. وقبل هذه الخطوة السياسية المفاجئة، فقدت الجبهة الشعبية عبر نتائجها الهزيلة في الانتخابات المحلية تموقعها في الساحة السياسية بالبلاد كقوة ثالثة لفائدة حزب التيار الديمقراطي الذي يقوده محمد عبّو المقرب من حركة النهضة. ولم تحصد الجبهة سوى 3.95 بالمئة من الأصوات لتحلّ في المركز الخامس خلف القوائم المستقلة وقوى سياسية أخرى وهي حركة النهضة الإسلامية ونداء تونس والتيار الديمقراطي. وبيّن حمة الهمامي أن ضعف عدد القائمات المترشحة في مختلف الدوائر البلدية الانتخابية وغياب الجاهزية للاستحقاق الانتخابي البلدي قللا من حظوظ الجبهة الشعبية في الفوز بعدد مقاعد أكبر في الانتخابات المحلية الأخيرة. وأخرجت نتائج الانتخابات خلافات الجبهة إلى العلن، خاصة بعد أن حمّلت بعض القيادات والقواعد الأمناء العامين للأحزاب المنضوية فيها وخاصة ناطقها الرسمي حمة الهمامي مسؤولية الفشل. وقال عبدالمؤمن بلعانس القيادي والنائب بالبرلمان عن الجبهة الشعبية لـ”العرب” إن القيادات العليا للجبهة لم تكن على علم بما حصل من توافق بين أعضاء قائمتها ببلدية العروسة مع الفائزين من مرشحي حركة النهضة. وأكد أن التعامل مع الانتخابات المحلية وما أفرزته من نتائج مختلف تمام الاختلاف عن الاستحقاقات الانتخابية الأخرى كالانتخابات التشريعية، مشيرا إلى أن البيان التوافقي أملته رغبة أعضاء القائمتين في تركيز حكم محلي بالجهة غير مرتكز على الثوابت السياسية للجبهة الشعبية. وشدّد بلعانس على القول إن المجلس المركزي للجبهة الشعبية سيتفادى ويتدارك هذا الخطأ السياسي، مرجعا أسبابه إلى قلّة خبرة الفائزين على قائمتها ببلدية العروسة. وفي المقابل أكد عماد الخميري الناطق الرسمي لحركة النهضة في تصريح لـ”العرب” أن حزبه لا يرفع أي “فيتو” وليست لديه أي خطوط حمراء ضد أي حزب بما في ذلك الجبهة الشعبية أكبر خصم سياسي وأيديولوجي لحركة النهضة. وأوضح الخميري أن القيادات العليا لحركة النهضة على علم بكل التحالفات التي تقيمها قوائمها الفائزة في الانتخابات المحلية، على اعتبار أن الحركة أعلنت حتى قبل إجراء الانتخابات المحلية على انفتاحها على مختلف الأطراف السياسية والمستقلين. وأضاف أن ما حصل في بلدية العروسة لن يكون استثناء باعتبار أن العديد من المجالس البلدية الأخرى ستشهد تحالفات بين حركة النهضة ومختلف الأحزاب مهما كانت مرجعياتها الفكرية. وعرفت العلاقة بين الجبهة الشعبية وحركة النهضة الإسلامية فتورا كبيرا وتصادما منذ أواخر عام 2012 بسبب أحداث سليانة أو ما يُعرف في تونس بـ”أحداث الرش” التي استعملت فيها حكومة “الترويكا” التي قادتها حركة النهضة وترأسها حمادي الجبالي آنذاك خراطيش بنادق الصيد (الرصاص الانشطاري) لإخماد تحركات اجتماعية عرفتها المحافظة. واتهم وزير الداخلية علي العريض حينئذ قيادات الجبهة الشعبية وفي مقدّمتهم شكري بلعيد (تم اغتياله في فبراير 2013) بتأجيج الوضع في سليانة وتحريض المحتجين على الصدام مع القوات الأمنية. وعقب اغتيال شكري بلعيد اتهمت الجبهة حركة النهضة بالضلوع في تصفيته بعد أن كشف قبيل اغتياله بأشهر عن وجود مخططات إرهابية متورطة فيها قيادات من النهضة.
مشاركة :