عندما أدت عقوبات أمريكية إلى توقف شركة زد تي إي ZTE الصينية لصناعة معدات الاتصالات في نيسان (أبريل) الماضي، سلط ذلك الضوء على ضعف الاقتصاد الصيني ومدى اعتماده على إمدادات الرقائق الأجنبية. وتعتمد الصين على الواردات في بناء الهواتف وأجهزة الاتصالات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من الأجهزة التي تمثل ثلث صادراتها تقريبًا ـ بلغت 227 مليار دولار في عام 2016. ووفقا لبيانات البنك الدولي والحكومة الصينية، أنفقت الصين على هذه السلع أكثر مما أنفقت على النفط والحديد واللدائن الأساسية مجتمعة. ومن المقرر أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن "زد تي إي" ـ التي تبلغ قيمتها 17 مليار دولار وتوظف 75 ألف شخص ـ بعد أن ضغط الزعيم الصيني، تشي جينبينج، على دونالد ترمب، لكن بكين لا تزال بحاجة ماسة إلى إنهاء اعتمادها على صانعي الرقائق الأجانب. وقد خصصت منذ فترة 150 مليار دولار لبناء صناعة أشباه موصلات محلية تابعة لها على مدى العقد المقبل في إطار برنامج "صنع في الصين 2025". وبحسب ريموند يونج، كبير الاقتصاديين المختصين بالصين في بنك "آيه إن زد" ANZ: "الحافز (في الصين) واضح للغاية. إذا لم تكن لديك الرقائق، فلا يمكنك فعل أي شيء". الرهانات عالية. في نيسان (أبريل)، حذر جاك ما، مؤسس "علي بابا"، خلال حديث إلى طلاب في جامعة واسيدا في طوكيو، من التداعيات على شركات التكنولوجيا الصينية إذا توقفت الولايات المتحدة فجأة عن إمدادها بالرقائق. قال "100 في المائة من سوق الرقائق يسيطر عليها الأمريكيون. إذا توقفوا فجأة عن البيع (...) ماذا يعني ذلك، هل تفهمون؟". كانت حساسية الصين لاعتمادها على شركات الرقائق الأجنبية واضحة مرة أخرى في وقت سابق هذا الشهر، عندما أجرت بكين تحقيقات مع عدة شركات أجنبية لأشباه الموصلات، بما في ذلك "سامسونج" و"مايكرون"، بسبب ادعاءات بالتلاعب في الأسعار. وقالت الشركتان إنهما تتعاونان مع السلطات. ويلاحظ محللون أن ما تفتقر إليه الصين هو إتقان "تكنولوجيا المعالجة" - وهي مجموعة المهارات اللازمة لتعبئة مليارات الترانزستورات في رقاقة بحجم الظفر. وفقا لكريس توماس، رئيس قسم أشباه الموصلات في آسيا لدى شركة ماكينزي الاستشارية: "إنجاز ذلك من نقطة الصفر يشكل حاجزا عاليا جدا جدا (...) حتى لو كان لديك المال، فهناك كثير من العمليات المتكاملة". وأضاف أن مصانع الرقائق الكبيرة في الصين مترددة في الاستثمار بكثافة إلى أن تفهم جيدا طريقة تكنولوجيا المعالجة. وقال: "لا يمكنك الاستثمار في الطاقة الإنتاجية حتى تحصل على التكنولوجيا". ويعتقد موريس تشانغ، مؤسس شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية TSMC، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، بأن الشركات الصينية ستكافح من أجل اللحاق بالمنافسين الأجانب الذين يطورن قدرتهم الإنتاجية في الوقت نفسه. وقال: "لنفترض أنها (الشركات الصينية) متخلفة خمس سنوات. في غضون خمس سنوات سيصلون إلى ما نحن عليه الآن، لكن في غضون خمس سنوات سنكون متقدمين عليهم مرة أخرى، بخمس سنوات أخرى". ويتفق محللون على أن صانعي الرقائق الصينيين لا يزالون متخلفين عدة سنوات عن منافسيهم الأكثر تقدما، على الرغم من عقود من التخطيط المركزي ومليارات من أموال الدولة. وفقا لمارك لي، المحلل في "برنشتاين": " في الوقت الراهن، حتى بالنسبة للهاتف الذكي ذي الدرجة المتوسطة الرقاقة الرئيسة لا يمكن إنتاجها في أفضل مسبك للمعادن تمتلكه الصين". الفجوة في المبيعات بين شركة TSMC والشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات SMIC، التي تتخذ من شنغهاي مقرا لها، والتي تحتل المرتبة الخامسة عالميا في مبيعات الرقائق المخصصة، تنمو فقط مع تعزيز المجموعة التايوانية صدارتها في التجهيزات، والزبائن، والنفقات الرأسمالية. ورفضت SMIC التعليق. مع ذلك، نطاق استثمار الصين وسجلها الجيد في التنمية الصناعية والتكنولوجية يعنيان أن الخبراء مترددون في استبعاد احتمال أن تتقدم على العالم في أشباه الموصلات. قال توماس: "بعد عام 2020 يمكنك أن ترى عالما يتباطأ فيه الابتكار قليلا، وبالتالي عالما يستطيع فيه (المتخلفون) اللحاق بالركب، لأن القادة غير قادرين على المضي قدما بالسرعة المطلوبة". وبوصفها أكبر مستهلك لأشباه الموصلات في العالم من حيث القيمة، تتمتع الصين أيضا بقدرة سوقية يمكنها استخدامها لتشجيع المجموعات الخارجية على مشاركة تكنولوجياتها. في العام الماضي أنشأت "كوالكوم"، وهي مجموعة أمريكية، مشروعا مشتركا مع شركة داتانج تيليكوم المملوكة للدولة، لتطوير رقائق الهواتف الذكية الرخيصة. وشكَّل الزبائن الصينيون، الحاصلون على تراخيص الملكية الفكرية في الصين، نحو ثلثي مبيعات كوالكوم في عام 2017 ـ كانت 53 في المائة عام 2015. وحاولت الصين أيضا دفع المال للوصول إلى قمة صناعة الرقائق. فقد سجلت مجموعة روديوم، التي تراقب الاستثمار الصيني في قطاع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، 27 صفقة صينية تزيد قيمتها على 37 مليار دولار في الفترة من 2013 إلى 2016، بما في ذلك ثلاث عمليات استحواذ كبرى، مقارنة بست صفقات فقط بقيمة 214 مليون دولار في الفترة من عام 2000 إلى 2013. وأحدثت هذه الصفقات هزة في الغرب ومنعت الولايات المتحدة عددا من عمليات الاستحواذ لصانعي الرقائق على أساس الأمن القومي. من بينها محاولة استحواذ عدائية من جانب "برودكوم"، مصممة الرقائق المسجلة في سنغافورة، على شركة كوالكوم مقابل 142 مليار دولار. قالت اللجنة المعنية بالاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة إن الصفقة يمكن أن تؤدي إلى تفوق الصين على الولايات المتحدة في تكنولوجيا الجيل الخامس. في الوقت الراهن، كما قال تشانغ، الجيوب العميقة المليئة بالمال لا تكفي. "لا يكفي مجرد الحصول على المال. عندما تكون متخلفا في التكنولوجيا، ليس من السهل اللحاق بالركب". في عام 2016 استثمرت TSMC ثلاثة مليارات دولار في مصنع للرقائق في نانجينغ "لتقديم دعم أوثق للعملاء وتوسيع فرص أعمالنا في الصين"، حسبما قال تشانغ، مضيفا أن الصفقة سمحت لشركته بإرضاء بكين من حيث إنتاج مزيد من الرقائق في الصين، لكن TSMC تمكنت أيضا من حماية ملكيتها الفكرية. وقال: "شعرنا أنه من خلال هذه الخطوة الرمزية سنكون على المائدة عندما يتحدثون عن (صنع في الصين)"، في إشارة إلى الخطة الرئيسة للتنمية في بكين. وأوضح تشانغ أن مصنع نانجينغ خاضع بالكامل لملكية وسيطرة TSMC، وقال إن أكثر الأسرار التجارية حساسية لا يتولاها إلا أعلى فئة من الموظفين التايوانيين الأكثر ثقة في المجموعة. علاوة على ذلك، لا يصنع المصنع أبداً أكثر أشباه الموصلات تطوراً في نانجينغ. مثلا، سيستمر صنع الرقائق لأحدث أجهزة آيفون في مصانعها في تايوان. ويعني الاستثمار أن TSMC ضمنت الوصول إلى العملاء الصينيين المتزايدين بسرعة، مثل "هواوي"، دون الالتزام بنقل أكثر تكنولوجياتها حساسية إلى مجموعات البر الرئيس.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: إدوارد وايت من لندنpublication date: الاربعاء, يونيو 20, 2018 - 03:00
مشاركة :